Monday, December 13, 2010

صناعة المستقبل

         كل الشعوب تصبو إلى مستقبل زاهر ولكن كيف الوصول إليه؟ ... إنما يصنع المستقبل رجال يؤمنون بحقوق الإنسان ويقدسون الحرية فيدفعون ثمنها ويدافعون عنها . رجال لهم قواسم مشتركة وان اختلفوا في الأفكار فإن قلوبهم لا تختلف، رجال يسارعون إلى ميادين العمل و العطاء يأملون  في التقدم ولا يحلمون بالزعامة.
          بعد قرون من حكم السلاطين والملوك الجبابرة ثم عشرات السنين من الاستعمار الغربي الذي أتى على الأخضر واليابس من ثمار الحضارة الإسلامية ومبادئ العدل الإنساني خاض أجدادنا حروباً ضروسة من أجل الاستقلال وبناء حكومات مستقلة . وبالفعل دفع الشعب العربي الملايين من أبنائه على مذبح الحرية بين شهداء في المعارك وضحايا في المعتقلات الجماعية وفي حملات التنكيل بالمواطنين العزل ومنهم من مات عطشاً أو جوعاً في الصحارى وأعالي الجبال كل هذا كان من أجل الحرية والكرامة والعدالة والمساواة. فقدت الجزائر في هذا الصراع مايربو على سبعة ملايين ونصف مواطن وفقدت ليبيا نصف سكانها ، ولا زالت فلسطين تقدم الضحايا كل يوم .
          وبعد نصف قرن من الاستقلال الشكلي لازال المواطن يحتاج إلي التعريف بحقوقه رغم انه دفع الثمن مقدماً جهاداً وتضحيةً وحباً. يمكن أن نقبل في بداية الاستقلال أن الجهل و قلة الخبرات قد تكونا مبرراً لأن يحذو الحاكم الوطني حذو المستعمر في استخدام أساليب القهر لكي يكبل الرعية بقوانين ولوائح لاتليق إلا لشعب مستعمر ، لكن في زمننا هذا لايوجد عذر لأحد فالتعليم انتشر والكفاءات تملأ الدنيا بينما يجلس على كراسي الحكم نفس العينة من الحكام .
    و الشعوب العربية تطورت وتقدمت وتعلمت، والحكام ازدادوا قسوةً وتفنناً في أساليب الإذلال لدرجة جعلت كبار السن يحنون إلي عدل الاستعمار ، حيث كان ابن البلد قادراً أن يأخذ حقه من المستعمر في المحاكم ولازلت اذكر تحسر أحد الشيوخ على غياب العدل فيصف أيام الاستعمار " بالعدل السمح "  فمتى وكيف  يصبح للإنسان العربي حقوقاً في وطنه ؟ هذا ماسنحاول الإجابة عليه في هذا المقال .
     لقد اكتسبت حقوق الإنسان في العصر الحديث مكانة خاصة بين الشعوب وفي أروقة الأمم المتحدة وصدرت فيها العديد من القوانين والتشريعات وكل هذه الحقوق كفلتها الشريعة الإسلامية السمجاء منذ أربعة عشر قرناً لكن جهل العامة وجبن العلماء جعلنا في آخر المطالبين بها بين شعوب العالم .

حقوق الإنسان

 

         كثيراً ما نتحدث عن حقوق الإنسان عند ما ننتقد الأنظمة أو التنظيمات أو الجماعات فما هي الحقوق التي يجب أن تكون قواسم مشتركة بيننا ؟ ولكي تكون ثوابت ثابتة في حياتنا يجب أن نتمسك بها كحقوق لنا ونقر بها لكل مواطن وتكون جزءاً لا يتجزأ من دستورنا .

        إن حقوق الإنسان يمكن أن تشمل الآتي:-

·        حق الحياة ، فالحياة هبة مقدسة من الله سبحانه وتعالى ويجب أن لا تمس إلا بنص شرعي .
·        حق الطفولة، لكل طفل الحق في طفولة طبيعية تعده نفسياً واجتماعياً للانخراط في الحياة ونحن في المعتاد لا نتحدث عن هذا إلا في مشاكل الطلاق ولكن كم من طفل محروم من الحضانة والرعاية مع وجوده بين والديه.
·        حق التعليم ، التعليم حق عام وخاصةً في مرحلة التعليم الإلزامي بما يحقق ما يعتبر شرعاً "فرض عين " لتأهيل الإنسان لأداء واجباته الدينية والحد الأدنى في "فرض الكفاية " ما يؤهله لأداء عمل يكفل له العيش الكريم .
·        حق الكسب، لكل مواطن الحق في ممارسة عمل يناسب قدراته.
·        حق العيش الكريم، لكل مواطن الحق في عيش كريم يكفي حاجته من خلال الضمان الاجتماعي إذا تعذر عليه ذلك بجهده الخاص.
·        حق التملك ، لكل مواطن الحق في ملكية أي شئ بالوسائل المشروعة وفي حدود إمكانياته .
·        حق الانتقال، يحق للجميع التنقل داخل وخارج الوطن.
·        حق المشاركة في السلطة، المشاركة السياسية حق لكل مواطن من خلال ممارسة الحقوق السياسية في الانتخاب والترشيح والانتقاد والمحاسبة والإسقاط.
·        حق الممارسة الجماعية ، إنشاء الجماعات والتجمعات والأحزاب والاتحادات والروابط والانضمام لها حق لكل مواطن بما يكفل أكبر قدر من التفاعل الايجابي البناء خدمةً لتطور البلاد .
·        حق التعبير عن الرأي، من أجل مشاركة فاعلة يحق للجميع التعبير عن الرأي بكافة الوسائل العامة والخاصة بما في ذلك الاعتصام والتظاهر والإضراب العام عندما تهدد المصالح والحقوق العامة.
·        حق التقاضي .... وذلك بتقديم شكوى للمحاكم لرفع ظلمٍ أو إحقاق حق.
·        حق القضاء المستقل وذلك بأن تكون أجهزة القضاء مستقلة عن السلطات الأخرى بما يحقق نزاهة الإحكام.
·        حق الدفاع عن النفس .... الدفاع عن النفس والمال والعرض والحقوق حق مقدس تحت جميع الظروف وبكل الوسائل.
·        حق المساواة.. كل المواطنين والمواطنات لهم الحقوق بالتساوي إلا فيما نص فيه الشرع من تمايز.
·        حق الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية ... لكل فرد الحق في الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية بما لا يتعارض مع ما كفلته الشريعة الإسلامية.
·        حق تربية الأولاد حيث يحق للآباء تربية أبناءهم حسب مايناسب عقيدتهم الدينية وبما لا يتعارض مع المصلحة العامة للمجتمع .
·        حق الحياة الأسرية إذ لكل مواطن ومواطنة الحق في الزواج والإنجاب والسعي من أجل ذلك بالوسائل المشروعة حسب إمكانياتهم أومن خلال نظام الضمان الاجتماعي .
·        حق الاختيار .... لكل مواطن ومواطنة الحق في اختيار ما يريانه مناسباً في كل الأشياء الممكن فيها الاختيار بما لا يضر بمصالح المجتمع ككل.
·        حق المواطنة أو الجنسية التي تكتسب من أحد الوالدين أو كليهما أو بحادثة الولادة هي حق مصون يجب ألا يمس.

واقع حقوق الإنسان في الوطن العربي

          لا توجد دولة عربية واحدة تتوفر فيها جميع الحقوق لمواطنيها ونحن هنا لسنا بصدر اتهام أي من الأنظمة ولكن بإمكانك أخي القارئ أن تعطي كل حق من الحقوق درجة واحدة . إذا توفر الحق كانت الدرجة موجبة وإذا انعدم كانت الدرجة سالبة ثم تحسب بنفسك معدل تلك الدولة بجمع الدرجات سلباً وإيجاباً . إذا كان المعدل العام أكثر من خمسة عشرة فهي مقبولة أما إذا قل عن عشرة فوضع حقوق الإنسان فيها سيئ. ونحن هنا لا نريد أن تصبح حقوق الإنسان كقميص عثمان يلوح به المعارضون في وجه السلطة لتمرير أهدافهم في الوصول إلي الحكم ولكن نريد أن نمهد لثقافة عامة نربي عليها أبنائنا ونعيشها في حياتنا تكفلها قوانيننا ودساتيرنا. قضايا حقوق الإنسان يجب أن تخرج عن إطار الصراع السياسي وتصبح قضية ثقافية وتربوية واجتماعية عامة يسعى لها الجميع ويحميها المحكوم قبل الحاكم في تعامله مع الآخرين. ومثل ما نطالب المواطن بأداء واجباته يجب علينا أن نعترف له بحقوقه كإنسان كاملة غير منقوصة فالله سبحانه وتعالى كرم بني آدم وفضله على كثيراً من خلقه تفضيلا.
وفي غياب الحكومات الراشدة نرى الحاجة إلي تأسيس منظمات لحقوق الإنسان داخل أقطار الوطن العربي لنشر هذه الثقافة والدفاع عنها ورصد المخالفات والمخالفين لها. وبالفعل توجد بعض الهيئات والجمعيات المهتمة بحقوق الإنسان خارج الوطن العربي وفي بعض أقطاره ولكن يتحقق النجاح لنشاط هذه المؤسسات يجب أن تتوفر فها الشروط التالية :-
1.     أن يكون نشاطها عملاً خيرياً خدمة لحقوق الإنسان ويجب أن تخرج من دائرة العمل السياسي.
2.     أن تفتح العضوية أمام الجميع لكي تحقق الانتشار الأفقي في المجتمع وبالتالي تحقق أهدافها في نشر هذه الثقافة.
3.     أن يكون نشاطها واجتماعاتها علنية وكذلك سجلات العضوية .
4.     أن تتمتع بالشفافية الكاملة في مصادر التمويل وأن تصدر تقارير دورية مفصلة عن تقاريرها السنوية ومندياتها.
5.     أن تعمل من داخل الوطن وتتعاون مع المؤسسات التربوية والاجتماعية والإنسانية في نشر ثقافة حقوق الإنسان.
6.     أن تقوم برصد أوضاع حقوق الإنسان بصورة دائمة بطرق علمية هادفة تشعر الجميع بأهمية هذا النشاط الإنساني لجميع فئات المجتمع.
7.     أن تبرز الأصول الإسلامية والعربية لحقوق الإنسان فهذا النشاط هدفه إعمال التعاون على البر والتقوى.
     8.   التعاون مع الهيئات والمنظمات الدولية ذات العلاقة بهذا النشاط .
      9.  إتباع سياسة المراحل في تحقيق أهدافها فبعض المراحل قد تكون مفيدة جداً لبقية المراحل والحقوق فمثلاً يمكن العمل أولاً في مجالات:
·        حقوق المرأة وخاصة التعليم
·        حق التعليم وذلك بالمشاركة الفاعلة في مشاريع محو الأمية بأنواعها .
·        تنشيط حرية الصحافة أو الإعلام بكل أنواعه.
·        مشاريع التنمية الاجتماعية وخاصة دور الإحداث والسجون.
·        دعم الحركة النقابية بأنواعها .
·        التعاون مع الأجهزة الرسمية قدر المستطاع .
·        الاهتمام بالنشاط الدعوي في هذا المجال بإقامة الندوات والمؤتمرات .

كان هذا الطرح محاولة لتقريب الفكرة إن أصبت فذلك من فضل ربي وإن أخطأت فإن ذلك من عملي.وأرجو أن يكون الحق غايتنا وهدى الله وسليتنا إليه .

No comments:

Post a Comment