Showing posts with label اجتماعيات. Show all posts
Showing posts with label اجتماعيات. Show all posts

Friday, January 14, 2011

مثلما ينتحر الجميع ببطء انتحر هؤلاء

لقد لفت نظري حرقة  الكاتبة صافيناز محجوب على ليبيا و على درنة و  أهلها في العديد من كتاباتها و منها مقال عن ظاهرة الانتحار و ركزت فيها على عينات من مدينة درنة. و يبدو لي أن الطرح لهذا الموضوع كان ناقصا؛ فالجميع في مجتمعنا ينتحرون لكن ببطء. و قبل أن أخوض في هذا الأمر سوف أتناول جوانب من هذا المقال. فكما ذكرت الأخت الكريمة قد يكون للانتحار أسباب عديدة و قد يقدم المرء على الانتحار إذا لم يتوفر له العلاج أو عندما تستشري أسباب أزمته. ففي الغرب قد ينتحر المرء لعدم وصوله إلى ما يبتغيه من السعادة مع توفر كامل مستلزمات الحياة، و ذلك بسبب الفراغ الروحي ، بينما لدينا قد ينتحر المرء لانعدام ابسط مقومات الحياة ، أى عندما يكون الموت أفضل من الحياة ، فلا معنى للحياة لمن ليس له أمل فيها أو طموح يسعى لتحقيقه.
وإذا تطرقنا إلى أسباب الاكتئاب نجدها عديدة في مجتمعنا ، فمنذ نعومة أظفارهم يواجه أبناؤنا صعوبات جمة؛ فلا توجد رياض للأطفال تعدهم نفسيا لمواجهة أقرانهم في المجتمع خلال مراحل الدراسة الأولى ، كما لا توجد نواد للاطفال للترفيه و اللعب البريء.



ملاعب الأطفال فى حديقة عامة

 ناهيك عن مكتبات الألعاب لمن لا يستطيع الشراء أو مكتبات الأطفال و الحدائق العامة المزودة بالألعاب.


ملاعب الكرة  فى الحدائق العامة

ثم إذا دخلوا إلى المدارس فإنهم يجدون مدارس كالسجون ذات أسوار عالية و عنف أدارى من المدرسين و الإدارة على حد سواء، أضف إلى هذا أعمال تنظيف المدرسة و شكل المدرسة و زجاجها المحطم، ناهيك عن انعدام ماء الشرب و دورات المياه. و أذكر فى إحدى المرات أنى سالت أحد الإخوة المدرسين عن حاله فأجابني : الحمد لله نشرب ماء البحر و نتنفس بدون عدادات .  فهل هذه المعطيات تزرع أملا فى الحياة ؟.

ألعاب الأطفال فى حديقة عامة

و إذا انتقل الشباب إلى المرحلة الثانوية يبدأ معهم مشوار الضياع ، فبالإضافة إلى قسوة الحياة يبدأ التدريب العسكري و ما يحمله من محو للميزات الذاتية و روح الإبداع و صولا إلى حالة الانبطاح النفسي و الفكري و السياسي و الانسانى. و كلنا يعرف ان الحياة العسكرية تعد الإنسان للحرب و القتال و هذه حالة استثنائية فى حياة الشعوب و يجب أن لا تكون طريقة للتربية ، فالمجتمع البشرى يحلم دائما بالسلام و يسعى للأعمار و ليس للدمار. وكم من شبابنا ترك المدارس لهذا السبب وبالتالي لم يكمل بناء نفسه و إعدادها.

      ناهيك عن  النفق المظلم بعد التخرج ؛ فلا يوجد عمل إلا لمن كان  والده من أهل المناصب و من يتحصل على عمل فقد يطلب منه أن يبقى فى بيته و لا يزاحم المسيطرين على المؤسسات و الأجهزة الحكومية . و هذه المرحلة كافية لأن تدخل الشباب فى دوامات من الاكتئاب و رفض المجتمع و الانزواء تحت اى ستار . و إذا التزم الشاب دينيا بدون فهم سليم فهى مشكلة وإذا انحرف فالمشكلة أكبر و لا يعرف كيف يخرج من ورطته ، فالمجتمع غير معد لمساعدة هؤلاء  فى ظل انعدام دور المساجد التربوي و  عدم توفر مؤسسات اجتماعية قادرة على التوجيه و المساعدة ناهيك عن العلاج.  
         و من كان موفقا فى الحصول على عمل و استمر فيه فسوف يواجه مشكلة الزواج؛ فتكلفة الزواج باهضة و البيوت غير متوفرة، بل زادت غلاءً ، و السيارات غالية الثمن و المرتبات زهيدة و الأسر فقيرة و محدودة الدخل أصلا. و هذا بدوره يولد اكتئابا للشباب و للأسرة ، فكيف يسعد من يفرض عليه الفشل فى الإعداد و لا يستطيع أن يعين فلذة كبده كي يبدأ حياته؟ و هنا يتسرب الإحباط و الاكتئاب إلى جميع أفراد الأسرة من الجد إلى الأطفال الرضع. و نحن بهذا نقتل الأمل فى نفوس الجميع . و كم هي مُرة أن يشعر الإنسان انه فشل فى مساعدة أبنائه أو فى بناء مساكن لهم أو فى إعانتهم على الزواج. انه مسلسل الاكتئاب و الإحباط المستمر، بينما تتغنى أجهزة الإعلام بالمجتمع السيد السعيد و لا تتناول هذه المشكلات.
  فما أحوج بلادنا للاستثمار فى بناء قدرات الشباب و مساعد تهم على الولوج فى دروب الحياة بدلا من الإنفاق على مشاريع خارج البلد  لن يستفيد منها الشعب الليبي حتى و لو كانت ناجحة. و قبل أن نطلب من الشباب أداء الخدمة العسكرية علينا أن نوفر لهم قطعة أرض و قرضا للبناء و الزواج حتى يكون لهم فى البلاد ما يستحق الدفاع عنه. و رحم الله الشيخ زايد عندما قال: كيف يكون المرء مواطنا و لا يملك قطعة ارض فى البلاد؟ و أمر بتخصيص أراض و قروض للشباب فى دولة الإمارات.
و بالإضافة إلى جميع العوامل المادية المؤدية للإحباط و الاكتئاب نجد العديد من العادات السيئة فى المجتمع ، تبدأ من مقارنة مستوى الأقران وصولا إلى الاستهزاء بمن تكون إمكانياته محدودة لأسباب لا يتحكم فيها ، أو استخدام الألقاب الجارحة و الاستخفاف بمن يكون نموه أو قدرته على الاستيعاب محدودة. و من المستحيل أن يكون كل أبنائنا أطباء أو مهندسين أو متفوقين فى كل المجالات لكن للجميع الحق الكامل فى الحياة الكريمة بغض النظر عن مواقعهم.
 أضف إلى هذا جهل الكثير من أولياء الأمور بالنواحي التربوية و النفسية و التعقيدات التي جدت على تركيبة المجتمع. و هنا أخص بالذكر الأمهات اللاتي فرض عليهن الزواج قبل إتمام الدراسة ، كيف يمكن لهؤلاء استيعاب التغير الكبير الحاصل فى المجتمع و معالجة مشكلات الأبناء فيه؟  إننا بحاجة لوضع برنامج تعليمي فى المساجد للأمهات و النساء بصفة عامة ، فتحفيظ القرآن ليس كافيا لحل أي مشكلة و المطلوب هو الفهم التربوى الصحيح. و يجب أن يشارك فى هذا الأمر كل المختصين فى المجالات ذات العلاقة.
        أما الحديث عن دور الجن فى هذه الأزمة فهو نوع من الهرطقة الدينية ، فلم نسمع عن غزوة للجن قام بها المسلمون فى السابق، كما لم نسمع عن مشاركة الجن مع المسلمين فى أية غزوة. فإذا كان الجن بهذه القوة لماذا لم ينصر المسلمون منهم رسول الله صلى عليه و سلم؟ و لماذا لا تعانى الشعوب الأخرى من أذاهم؟ هذا بالطبع مع ايمانى بوجودهم، لكن علينا أن نبحث عن الحلول لمشاكلنا عن وعى و دراية.
 و اننا نعرف من تاريخ مدينة درنة و أهلها فى فترة الأربعينيات إلى السبعينيات من القرن الماضي حيث كان الناس اقل تدينا وأشد فقرا لكن لم ينتحر منهم احد  و لم نسمع بأحد لبسه جنى إلا فى حكايات العجائز، و كان أمر الجن مقصورا على المشعوذين فقط. و ما كان أستاذ فاضل مثل شيخ المعلمين الأستاذ محمد القديرى يجرؤ ليقترب من هذا الموضوع و يعالج بالرقية، وان فعل فلن يذهب عنده أحد للعلاج. وفى الحقيقة أن الناس كان لديهم أمل كبير فى الحياة  بالرغم من انعدام الإمكانيات، فيا ليت رجال الدين يقومون بأمر الدعوة فى المساجد و يعالجون أصل المشكلة فالخطر كبير جدا و نحن لا نرى إلا البدايات فقد نرى فى المستقبل انتحاريين يأخذون معهم أبرياء لا علاقة لهم بمشاكلهم مثلما يحدث فى الدول الأخرى.
     وأبرز ظاهرة لطلب الموت فى المجتمع نراها فيمن يذهب لمواقع الصراع كالعراق ليفجر نفسه بين الأعداء  كما يقولون، و هذه ظاهرة جديدة فى الفكر الاسلامى القتالي و قد تناولت هذا الموضوع مجلات عالمية و تناقلته القنوات الفضائية.  والله سبحانه و تعالى حف طريق الجنة بالمكاره، فعلى المرء أن يصبر و يصابر و يعيش حياته حلوها و مرها، ولو أن هذا الشباب الملتزم ساهم فى بناء بلده و تعاون مع أهله على البر و التقوى و كان مثالا للعطاء لفتح الله له طريقا إلى الجنة من أوسع أبوابها. و الرسول صلى الله عليه و سلم قال: اتقوا الشبهات. و إذا كان المرء يخشى على نفسه من الرياء فى العبادة ، فكيف يبرر الهروب إلى الجنة بهذه الطريقة و الله أعلم بنتائج هذه الصراعات الدائرة على الأرض العربية؟.
و لو نظرنا إلى المجتمع لرأينا أصنافا من الناس تنتحر ببطء كل يوم ، فعلى سبيل المثال نرى آلاف المدخنين الذين يبتلعون المر بالعلقم كل يوم على حد تعبيرهم ، ويستمرون فى التدخين مع علمهم الأكيد بضرره صحيا  و حرمته شرعيا. و الدولة تقف مكتوفة الايدى و تصنع التبغ و تبيعه و تأخذ عليه الضرائب، بل  لا تحمى بقية الناس من ضرره. و بالرغم من صدور قرارات بمنعه فى المباني، تبقى القرارات حبرا على ورق و تجد الناس يدخنون فى مكاتب الدولة كلها.
      كذلك كلنا يعلم ما لتناول السكريات و النشويات بكميات كبيرة من أضرار صحية ومع هذا نداوم على استهلاكها بكميات مهولة، ثم نتحدث عن مرضى السكري و الضغط و البدانة المفرطة. و حتى بعد اكتشاف أعراض المرض يتهرب المريض من العلاج و بالتالي تتعقد حالته المرضية و ينتهي فى المستشفيات ، أو يذهب للعلاج  خارج البلاد. و إذا أضفنا إلى هذا الإسراف فى تناول الدهنيات من لحوم و شحوم و دهون، فإننا بذلك نفتح الباب لتصلب الشرايين وأمراض القلب، و كل هذه الأمور مرتبطة بالحالة النفسية للمواطن و الدافع وراؤها هو الإحباط و الاكتئاب و فقدان الأمل. فمتى نفيق من سباتنا و نرتب حياتنا بطريقة سليمة بدلا من الجري وراء الخرافات؟ علينا أن نحافظ على البيئة وعلى نظافة مصادر غذائنا من المواد الكيماوية و الضارة من مبيدات و أسمدة كيماوية و مواد حافظة، كما يجب علينا توفير الماء الصالح للشرب و الصالح للحياة، و القائمة تطول إذا أردنا أن نتناول جميع الأعراض.
        و ان أهم علاج لمحاربة ظاهرة الانتحار و ما تأسس عليه أصلا من إحباط و اكتئاب يكمن فى بعث الأمل فى النفوس من خلال برامج التوعية فى الإعلام، و برامج الدعوة و الإرشاد فى المساجد ، و من خلال برامج التنمية الاقتصادية و الاجتماعية للمجتمع ككل.
     علينا أن نيسر سبل العيش الكريم و نوفر كل أسباب الراحة النفسية للمواطنين و أن نوفر وسائل الترفية السليم و نشجع الناس على ممارسة الرياضة. و أهم من هذا كله توفير أسس الأمان الاقتصادي للجميع بما يزرع الأمل فى الحياة.  والله سبحانه و تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فلنحرص على العودة إلى الله على فهم و بصيرة و عندها سوف تتغير أحوالنا نحو الأفضل و نرتب أولوياتنا و نعيد هيكلة مؤسساتنا بما يخدم مصالحنا على المدى القريب و البعيد.

Thursday, December 30, 2010

عراجين الموتى فى ليبيا





            لقد مات محمد صلى الله عليه و سلم فى يوم تاريخى، يمثل الحد الفاصل بين زمن النبوة و المعجزات وزمان تمام الرسالة و كمال الدين و نضج العقل البشرى بفتح افاق المعارف  لمن يطلب المعرفة. و أنا هنا لا أقول بكت عليه السماء و لكننى ارى انها فرحت لعروج اسمى روح بشرية عبرها الى خالقها، و لا اقول اهتزت لموته الارض و لكننى اقول بأن الارض سعدت بضم اطهر جسد مشى على الارض الى قلبها فى اطهر بقاع الارض بعد الحرم المكى الا و هى المدينة المنورة.
 و مع كل الحب من المسلمين للمصطفى عليه الصلاة و السلام و مع حب الرسول لمكة و حرمها لم يدعى مسلما انه رأى الرسول يطوف بمكة بعد و فاته،  فلا يجوز لاحد ان يراه فى اليقضة الا من تلبس عليه امر ابليس او لبسه ابليس.
          أما عندنا فى ليبيا فتجد بعض المحسوبين على الثقافة  يروج لاشاعات او اخبار كاذبة او التباس احوال فتظهر كرامات لبعض من عرفهم الناس بقلة الدين . فهناك من يقول لنا ان هناك من راى أحد المطربين وهو من اهل الكيف على دراجته فى شوارع طرابلس بعد موته. هذا قد يحدث لصاحب هذه الرؤية اذا لم يذهب عنه تاثير المسكر حتى ظهر اليوم التالى، سواءا كان خمرا او حبوبا. و آخر يصف كيف تستقبل صنافر الجنة بطل احلامه و لا يجوز الحديث فى هذا بعد وفاة محمد صلى الله عليه و سلم؛ فلا احد يعرف مكان احد من الجنة ومن رضى الله، و ثالث يتحدث عن بشرى لمن ضاع عمره بين اللحن و النغم صحبة كؤوس اللهو و هو فى هرم من العمر. و رابع يمتدح ايام الصعلكة و رفاق الصعلكة و التى ما كانت لوجه الله، بل كان عمادها البوخة و الحشيش و النساء ثم بعد ذلك يتحدثون عن تطوير مفاهيم الاسلام و تطويعها للقيم الجديدة أو محاربة التشدد و التعصب للحق.
أما فى مجال السياسة و التاريخ فحدث ولا حرج، فتجد من يقلب الموازين و يصور الهزائم على انها بطولات و رجال الحكم الفاسدين على انهم رجال دولة، بالطبع هم رجال دولة و لكنها كانت دولة فاسدة. فمجلس الوزراء بعد ان ينفض اجتماعه الرسمى يلتئم من جديد بمعظم افراده فى سهرات الخمر، وحينما يذهب بعضهم للعمرة يعرج بعد ذلك على روما للتنفيس، و برنامج الرشاوى بدأ من فوق ثم أخذ ينزل مع الايام حتى وصل بواب الوزير،  و قس على ذلك.
كما يتحول من خدموا جنودا للمستعمر الى ابطال للجهاد، و يطمس تاريخ من وقفوا حياتهم للجهاد لانهم يعرفون الحقيقة، بل تم حرمان ابرز المناضلين السياسيين من اجل الاستقلال من البقاء فى البلد ارضاءا لرغبة بريطانيا العظمى.
و فى المقابل نهاجم كل من يحاول ان ينير الطريق أو من يدعو للاصلاح أو النهضة من حال التخلف، و دائما تغلب على رؤيتنا السلبية و تعويق من يريد ان نتقدم و لا نجد لعمله تفسيرا الا المصلحة الشخصية و محاولة الوصول و يا ليت كل من وصل سلم.
 قد يحدث هذا من كاتب مستأجرلغرض المدح أما أن يتطوع كاتب بجهده ووقته فى تزييف الحقائق و الاستخفاف بعقول الناس فهذا أمر غير مقبول.



أما بالنسبة لعراجين الموتى فهى على وزن المثل الشعبى: و هو حى مشتهى البلحة و بعد ما مات علقوا له عرجون. و قد صور الفنان بشير حمودة هذا المثل فى اللوحة العليا ، حيث رسم جمجمة الهر فى حجم اكبريقرب من حجم النمر للدلالة على تفخيم حجمه بعد الموت، ووضع امام الجمجمة سمكة ساورو كم كان يحلم الهر بعظامها فى حياته.


 كم يكون الانسان بحاجة الى دعم أخيه فى حياته و كم هو جميل ان تجد من يساندك فى حياتك؛ و كما نعرف جميعا فان دموعه لا تنفع بعد الممات. علينا ان ننظر بايجابية لكل امر و نبحث عن وسيلة دعمه و دفعه الى الامام و بالتأكيد سوف نتقدم و نصل الى ما نصبو اليه؛ و لنترك البحث عن ابطال وهميين نعلق عليهم آمالنا بل علينا ان نترك الممارسة و التجربة تفرز من بيننا ابطالا لنضالنا.

Thursday, December 16, 2010

سوق السعد أو السعادة في الصين




البحث عن السعد السعيد
         
مع تطبيق قرار تحديد النسل بطفل واحد لكل أسرة فى الصين بدأت العلاقات الاجتماعية في الانحسار، فأصبح في الصين الآن جيل ليس له أعمام أو عمات أو أخوال أو خالات،  ثم سياتى جيل ليس له أقارب و هذا سيؤدى إلى قلة المعارف و انعدام العلاقات بين الناس. و إذا أضفنا إلى هذا طول ساعات الدوام الرسمي اليومي خلال ساعات العمل و بعد المسافات، تتحول المدن إلى زنزانات انفرادية لسكانها. هذا سوف يؤثر على النسيج الاجتماعي، و على فرص الزواج و ارتفاع نسبة الطلاق بين الشباب في الصين. وفى الغالب في هذا البلد تتم ترتيبات الزواج من خلال الآباء و الأمهات أو الأجداد و الجدات من الجانبين، مما أدى بهم إلى ترتيب أو استحداث ما أسميته سوق السعد في الصين.

سوق السعد

و السعد في اللهجة الليبية هو الحظ أو النصيب أي مشروع الزواج أو رحلة العمر، و كثيرا ما نسمع مقولة" فلان سعده طايح" أو" فلانة الله يوقف سعدها و يرزقها بابن الحلال". و كل منا مرت عليه مقولة" السعد عمى و يريد من يقوده". و كذلك الحال في الصين السعد يحتاج لبعض المساعدة، حيث يتم ترتيب برامج لتقريب طرفي الزواج من خلال لقاءات عائلية أسبوعية تحدث يومي السبت و الأحد اكتشفتها عن طريق الصدفة. فبينما كنا نتجول في مدينة شنقهاى صباح الأحد 19 سبتمبر 2010 م في حديقة الشعب الشهيرة وجدنا سرادقات كبيرة بداخلها و حولها أعداد كبيرة من الناس المتقدمين في السن و معظمهم يحمل في يده ورقة تحتوى بعض المعلومات، كما تم تعليق بعض الأوراق على السياج و الأشجار و الجدران.


لقاءات جانبية و مشاورات

الجميع يبدون في حيرة من أمرهم و الوجوه يبدو عليها الجدية و الاهتمام و لكننا لم نعرف السبب، فقال رفيقي: ربما يكون هذا سوق لعرض الخدمات أو البحث عن عمل أو تبادل المعلومات. و لكننا لم نصل إلى معرفة الحقيقة بسبب حاجز اللغة، و عند عودتنا إلى الحديقة عند الظهيرة لتناول بعض الطعام وجدنا الحشد قد زاد، سألنا بعضهم إن كان يتحدث الانجليزية، فلم ننجح.


البحث من خلال الإعلانات
  لحسن الحظ كانت النادلة في المطعم  تتحدث الانجليزية فشرحت لنا الأمر و قالت: إن العديد من زوار المطعم كان لهم نفس السؤال. فقالت إن ما يحدث هو تبادل بيانات الراغبين في الزواج و البحث عن الزوج الملائم و حاولت أن تبرر ما يحدث بانشغال الشباب بالعمل، و لهذا يتركون الأمر للوالدين. و ربما تكمن الحقيقة في أن الوالدين هم من يتكفل بمصاريف الزواج بما فيها البيت، و لهذا رأيهم هام في هذه العملية بالإضافة إلى أنهم يقومون برعاية الحفيد الوحيد في المستقبل القريب ففي معظم الأسر الأم تعمل خارج البيت. عند ذلك عرفنا أن كلا منهم يعرض مواصفات الطرف الذي يمثله من حيث تاريخ الميلاد و الشكل العام و الجمال و المستوى التعليمي و الوضع المالي للأسرة و إمكانيات السكن و بعضهم يحمل بعض الصور و رقم الهاتف. و بعد المناقشات المبدئية  تبدأ جولات المفاوضات الجانبية، و إذا توفرت الظروف المناسبة يتم ترتيب زيارات و لقاءات لجميع أفراد الأسرتين.


المزيد من السرادقات
      
 يتضح من هذا العرض السريع أن سوق السعد أو سوق السعادة في الصين سعده واقف، نظرا لاهتمام الأسرة بتزويج شخص واحد، فهم يبذلون قصارى جهدهم في سبيل تحقيق هذه الغاية و منهم من قد يستعين بشبكة المعلومات أو الصحف.

وضع الزواج في بلادنا

      و الدرس المستفاد هنا هو محاولة البحث عن حل للعزاب في بلادنا الحبيبة ، ففي الكثير من البيوت الليبية في الداخل و الخارج يوجد شباب و فتيات في سن الزواج و أكثر؛ ولكن لا احد يقدم لهم المساعدة فالدولة مشغولة بمشاريعها العظمى و الآباء و الأمهات إمكانياتهم محدودة؛  و لا يزالون ينتظرون من السعد العمى أن يؤتى إلى بيوتهم بمفرده و بدون مساعدة من أحد بالرغم من الحفر و المطبات في الشوارع و اتساع رقعة المدن، ناهيك عن من يعيش في قرية نائية في الخارج داخل قوقعة الأسرة الصغيرة و ينتظر حلا من السماء دون أن يسعى في طلبه.
 كما أننا جميعا فى المجتمع الليبي لا نريد أن نتحمل المسؤولية في حياتنا و نقلل من سقف تطلعاتنا في المواصفات المطلوبة و في الشروط وفى المظاهر و في المصاريف، بل لا أبالغ إذا قلت أننا في كل عام نضيف عليها. والشباب و الفتيات يجب عليهم آن يتطلعوا  إلى مواصفات ممكنة في الطرف الآخر و تناسب هذا العصر،  فالحياة الزوجية في عصرنا الحاضر شراكة متعادلة و ليست أحلام أو أفلام أو مسلسلات تركية  وهى كذلك واقع مرتبط بالمجتمع الليبي و معطياته و أنماط تفكيره، فكل فتاة تتخطى الثلاثين سنة من العمر يصعب زواجها و كذلك الشاب إذا تخطى الأربعين سنة و هذه الحقيقة كثيرا ما نهملها.  وبالله عليكم ماذا ستفعل فتاة في سن الستين أو السبعين بحياتها إذا لم تتزوج و لم تملأ حياتها ببعض الأطفال، و ماذا ستعنى حياة الشيخ الأعزب الذي يصل الستين بدون زوجة و لا ولد و لا أحفاد.
تيسير الزواج في بلادنا
 الخطوة الأولى لحل مشكلة العزوبية في بلادنا تكمن في تيسير الزواج بالنسبة للشباب بالدرجة الأولى و بكل الوسائل لتوفير أفضل فرص النجاح للزواج و تقديم كل أنواع الدعم المادي و المعنوي المطلوب في الأشكال الآتية:
توفير فرص عمل للشباب، و ذلك بخلق مواطن شغل في الدولة أو باستحداث مشاريع تنموية و استثمارية محلية، مثل توزيع مزارع المشروعات الزراعية على الخريجين الجدد و توطينهم في مناطق المشاريع.
منع استجلاب العمالة من الخارج إذا توفرت العمالة من الداخل.
توفير سكن مناسب لأسر الشباب بتكاليف أو إيجارات اقتصادية تناسب دخولهم المحدودة.
رفع قيمة علاوة الزوجة إلى مئة دينار لجميع الأسر.
استحداث برامج للتوعية الاجتماعية لتهيئة الأسر الجديدة و مساعدتها في التخطيط لمواجهة متطلبات الحياة من النواحي النفسية و المادية و الاجتماعية.
تيسير زواج الفتاة الليبية من العربي المسلم و من المسلم بصفة عامة، و ذلك باكتساب أطفالها الجنسية الليبية تلقائيا، ومنح زوجها حق العمل في ليبيا و اكتساب الجنسية الليبية بعد ثلاث سنوات من الزواج و الإقامة في ليبيا.
تحديد الحد الأعلى للمهور في المدينة أو المنطقة الواحدة حسب العرف المعمول به فيها.

تعدد الزوجات

           عند ما لا يستطيع قطاع الشباب التغلب على المشكلة بالكامل ربما يكون من الأنسب في هذه الحالة طرح موضوع تعدد الزوجات كلما أمكن ذلك و بأي شكل عملي ممكن كحل ثاني و ثانوي؛ و لو تكفلت الدولة بكل المصاريف الأساسية مع تقديم بعض الدعم المادي مثل:
مضاعفة علاوة الزوجة بالنسبة للزوجة الثانية إلى مأتى دينار.            
مضاعفة علاوة السكن في حالة تعدد الزوجات.   
توفير سكن أو بيوت مزدوجة.
    أنا أرى أن الحل ممكن وأقل تكلفة مما سنحصد من مشاكل فى المستقبل، و لكن يجب أن لا يكون على حساب الزوجة الأولى أو الأسرة الأولى؛ و عليه يجب تنظيم هذا الأمر بعد مناقشته من الفئات ذات العلاقة  في المجتمع مثل الهيئات الشبابية و الهيئات النسائية و الهيئات الاجتماعية و عقد ندوات علمية لهذا الغرض ثم وضع شروط مناسبة تضمن نجاحه. و على سبيل المثال في أحدى قرى الجنوب الليبي عند ما تبين للعاقلين فيها  تزايد عدد الفتيات في المنازل بسبب زواج الشباب من خارجها؛ قرر الجميع التعدد على شرط أن تقوم الزوجة الأولى باختيار الزوجة الثانية و برضاها للمساعدة في حل مشكلة الفتيات و القرية.
       و كما يعرف الجميع نحن نستقدم حوالي مليون عامل أو أكثر من خارج البلد، فلماذا لا نعمل على تشجيع النمو السكاني بأسلوب سليم، و لماذا لا يعرض هذا الأمر للنقاش على الجهات التشريعية لوضع الأسس القانونية له، و إذا كانت الثروة ملك للمجتمع فلماذا لا تستثمر في توفير الحياة الكريمة للشعب. و كلنا يذكر أثر مشاريع الإسكان في الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي في رفع مستوى المعيشة و توفير الحياة الكريمة للشعب من خلال توفير مساكن مجانية لا زال بعضها قائم حتى الآن.
 وهل للإنسان كرامة إذا كان يعيش معيشة الكلاب السائبة يدور في الشوارع و لا احد يسمع له أو يتحدث إليه، ثم ينتهي به الحال إلي احد الملاجئ أو مستشفى المجانين، و قد عرفت بعض من مات في السبعين من عمره دون أن يتزوج وكذلك بعض السيدات اللاتي تجاوزن الثمانين عاما بدون زواج، صحيح كان عددهم في الماضي قليل و لكنه بالتأكيد سيكون أكبر في المستقبل. ناهيك عمن سيضيعون في مزالق الانحراف و ينتهي بهم الأمر في السجون أو دور الرعاية و الإصلاح أو مراكز معالجة الإدمان أو يصبحون ضحايا للأمراض الفتاكة.
      فلينظر كل منا إلى بيته كم هي نسبة العزاب إلى المتزوجين ليعرف الحقيقة، و من ثم عليه أن يجد حلا،  وعلينا أن نخطط لبناتنا مثل ما نخطط لأولادنا و هذا هو العدل. و لتعلم النساء قبل الرجال أن المصائب عند ما تحل ستدخل كل البيوت و عند ما ينتشر الفساد لن ينجو منه احد، و الله سبحانه و تعالى يقول: و اتقوا فتنة لا تصيبنَ الذين ظلموا منكم خاصة. و اعلموا أن خير قدوة لنا في كل أمر هو رسول الله صلى الله عليه و سلم و صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين من بعده، تزوجوا في صغرهم و في كبرهم،  تزوجوا البكر و المطلقة و الأرملة و الصغيرة و الكبيرة. فالبيوت لا تبنى على الحب أو الإعجاب فقط، و لكن تبنى على الرحمة و حسن المعاشرة و على التعاون و المساعدة و المساهمة في ستر الناس و في حل مشاكل الناس، فعلينا أن نجعل بيوتنا بيوت خير و بركة و رحمة و توسعة, نجعلها بيوت محبة واسعة بعيدة عن الأنانية المدمرة و المثل الليبي يقول: لما أتطيب النية الدار تاسع مية. و ربما يناسبنا في هذه المرحلة تعدد الزوجات و تحديد عدد الأطفال لكل أم من أجل تهيئة أفضل الفرص للتربية السليمة.
      و على الدولة أن تتحمل المسؤولية و توفر للمواطن الليبي حياة كريمة و مظلة من الضمان الاجتماعى ترفع  بها عن كاهل الشعب ما يرهقه من الديون و المصاريف التي لا تتناسب مع متوسط الدخل العام.  فتدنى مستوى الدخل هو الذي يساهم في عزوف الشباب عن الزواج، أما الفتيات ففي كثير من الأحوال يصبحن الضحية و يقمن بدعم الأسرة ماديا إلى أن يفوتهن قطار الزواج. والزواج في الحقيقة هو أحد أهم حقوق الإنسان التي يشارك بها في رسالة البشرية في عمارة الأرض، ناهيك عن دور الزواج في سعادة الإنسان و استقرار أحواله النفسية و الاجتماعية.

 إن الخطر الذي يداهمنا أكبر و أعم و أخطر من رفع سعر رغيف الخبز أو سعر لتر البنزين فهذا الخطر يهدد الأسرة الليبية من أساسها و يقضى على كل القيم الاجتماعية و يدمر النسيج الاجتماعى.

Monday, December 13, 2010

الإعجاز في إيمان العجائز

كثيرا ما يتحدث الوعاظ عن الإيمان عند العجائز و يدللون على ذلك إما بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو بالدعاء المعروف" اللهم إيمانا كإيمان العجائز". و كلما كان المرء قريبا من الله حريصا على رضاه ازداد إيمانه قوة و الله سبحانه و تعالى يقول "و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " و إيمان العجائز لا يحتاج إلى كثير علم و لكن إلى المداومة على طيب العمل الصالح من صلاة و دعاء وذكر و حسن خلق و حسن معاشرة و خوف من الله و رجاء لرحمته .
أما أنا فلقد كانت في حياتي إحدى العجائز المباركات ، و منها تعلمت حب الذكر و فن الدعاء و الراحة في الصلاة و بالصلاة ، و كثير من القراء مر بقصص مشابهة مع أمه أو احدى جداته . وفى هذا المقام أحب إن أتحدث عن جدتي الحاجة صالحة بنت خليل بن عطية. فهي عاشت أول عمرها يتيمة إلام ، حيث ماتت أمها وهى صغيرة فتعلمت أمور دينها من جارتها التي كانت ترعاها . كانت تسميها حامى سانافيتى ، ربما كانت من اصل تركي و هي والدة المرحوم سالم أبو رقيعة، أما والدها فكان شيخ التواجير في زمانه . لم تدخل  الحاجة صالحة المدارس لأنها ولدت خلال العهد العثماني في مدينة درنة و ترعرعت أيام الاحتلال الايطالي. كانت دائما تحافظ على صلاة الضحى و النوافل و تقرأ الفاتحة بعد كل صلاة عدة مرات و تهديها للرسول صلى الله عليه و سلم و للصحابة المدفونين في درنة و ملائكة البيت و للصلحين. و بالرغم من أنها كانت أمية إلا أنها كانت تحفظ بعض السور القليلة و التي لا تزيد على أربعة سور . و منذ أن عرفنا المذياع و إذاعة القرآن الكريم و هي تستمع طوال الوقت إلى تلاوة القرآن الكريم. كانت كثيرة الصيام و قليلة الكلام، و لا تحب الظلم عليها أو على أي احد آخر. كما كانت كثيرة التسبيح بالليل و النهار، ترافقها سبحة تضيء في الظلام أينما ذهبت و هي عادة معلقة في غرفتها بالجدار ليسهل الوصول إليها.
     
كانت لها دعوات بالعامية مختزلة و لكنها كانت كافية شافية ، فقد كانت كثيرا ما تقول:

يا ربى يا عالم بالغيب عنا لا تغيب

و هذا ما يسميه العباد بالمعية ، فهي تريد أن تعيش بالله و مع الله و في الله و لله .
 و كانت تقول :
يا عزيز يا جبار جيرنا مالنار

وهنا يتجلى الخوف من عذاب النار من قبل العزيز الجبار، و فيها ضمنا الاعتراف بالذنب و طلب الرحمة و النجاة من النار.
 كما كانت تقول ككثير من العجائز :

يا ربى ياللى خيرك كثير ما تثقل بينا حصير

و فيها تدعو الله أن لا يجعلها عالة على احد في آخر العمر ، عندما لا تقدر على الحركة و الحصير يشبه البساط و يصنع من الديس .
 كذلك كانت تقول :
اللي ناوينا بالخير دله و اللي ناوينا بالشر ذله

أما أجمل ما سمعت منها قبل أن تتوفى بعدة أسابيع عندما زرتها في بيت عمى في مدينة بنغازي، حيث عاشت معه سنواتها الأخيرة فهو قولها:
يا ربى سهلها لنا و سهلنا لها و اجعلها فرح و هناء

و هي بذلك تدعو الله في ثقة القريب إليه بقولها يا ربى، أن يسهل عليها خروج الروح و ييسر لها الخروج من هذه الدنيا و يجعل عودتها فرح و هناء و ذلك بالفوز بالجنة و الظفر بالرحمة و المغفرة من الرحيم الغفار. لقد عرفت كثيرا من الناس و لكنى لم اعرف إنسانا يتغنى بطلب الخلاص من الدنيا و الفوز بالآخرة في سنه،ا و الناس يقولون: يشيب المرء ويشب معه خصلتان الحرص و طول الأمل. و لقد كتب لها الله أن تتوفى يوم الجمعة ثاني رمضان و هي في صلاة المغرب.  بعد ما أتمت التشهد الأخير لم تستطع الحركة من مكانها فمالت على جنبها فما كان من عمى إلا أن أسرع إليها فزعا حيث كان يجلس في الغرفة بعد أن عاد من صلاة المغرب. أقترب منها و سألها : كنك يا مينتى ؟قالت له و في ابتسامة: السلام عليكم و لم تزد على ذلك. ففي لحظات يتقبل فيها الدعاء ختمت عمرا يناهز الثمانين عاما عدته كفاحا و صبرا و عبادة و حبا للخير و أهل الخير .

مرات عديدة كنت اطلب منها أن تدع ولى ، فتقول :يا وليدي يدعى لك عملك ، اى افعل الخير تجده و لكن على ميزان العجائز. و لقد كانت تقدمية في تفكيرها ربما حتى على بعض من أجيالنا. أذكر مرة أنى سألتها عن رأيها في موضوع يخصني فقالت :يا وليدي أنت تعرف اللي تصلح بيك ، المدرسة فتحت عيونكم و انتو تعرفوا خير منا . ففي هذه الكلمات لخصت الفجوة بين الأجيال، و التي كثيرا ما ننساها نحن عندما نتعامل مع أولادنا. اللهم ارحم هذه الحاجة الصالحة رحمة واسعة و اسكنها و مثيلاتها من الأمهات و الجدات الطيبات فسيح جناتك، و الله ندعو أن يلهمنا و يلهم أزواجنا وأبنائنا و بناتنا حب الله و حب رسوله و حب كل أمر يقربنا إلى حبهما ، آمين  و الحمد لله رب العالمين. 

Thursday, December 9, 2010

رسالة الجيل الجديد

قرأت مقال  بعنوان " السعد عمى"  لاحدى الاخوات ،  منطلقة من المثل الشعبى الذى يقول" السعد عمى و يريد من يقوده". احب ان اقول لها و لغيرها من الناس"السعد السعيد لا يذبل و لا يبيد ". فاهلنا  ا سموه السعد فلا يجوز ان يكون اعمى . فمن يحرم نعمة البصر به عجز كبير و كلمة سعد تم اشتقاقها من السعادة و هى اقرب الى السعيد منه الى الاعمى . انا لا الوم الاخت فى ترديدها ما ظنت انه حكمة فهذا القول فى الحقيقة مقولة فرضها الجهل و الظلم . كما انى لا اتفق معها فى ان ذكريات الاباء كلها جميلة . فالمجتمع الليبى لديه سلبيات كبيرة وابرزها ظلم البنات و محاباة الاولاد و تقليد الاخرين و التمسك ببعض التقاليد البالية من المفاخرة و الاسراف فى المنا سبات  الى حد الاضرار. و اخطرها كلها العزوف عن القراءة و بالتالى الكتابة ، فالاولى تحرمنا فرصة التطورالمعرفى و الثانبة تحرمنا فرصة الاتصال بالعالم . انها امية مركبة ، فكم منا يجيد اللغة العربية  ؟  ثم كم من هؤلاء يجيد لغة اخرى ؟ ثم كم من هؤلاء يجيد تقنية المعلومات و استخدام الحاسوب ؟ و كم من هؤلاء مستعد للتعاون لتنمية الاخرين ؟ هل رضينا بان نكون على هامش الاحداث فى هذا العالم ؟ انه العالم العاشر وليس الثالث الذى نحيا فيه نحن .
لقد طرحت الاخت فى مقالها نقاط مهمة جدا في ما يخص مستقبل العلاقات بين الشباب ، فنحن لازلنا نسمح لانماط بالية من التفكير ان تفرض علينا علاقات و قرارات لا تناسب زماننا هذا . فالفصل الكامل بين البنات و الاولاد بالكامل خطأ و دمج الاثنين تحت كل الظروف أخطر . و ربما يكون الافضل ان يتم الاختلاط فى المرحلة الابتدائية من الدراسة لاتاحة الفرصة للالمام  ببعض الجوانب الشخصية لكل من الطرفين . ثم بعد ذلك يتم الاختلاط تحت اشراف العائلات و المراكز الاجتماعية و الثقافية و الكشافة  طالما تتم المحافظة على قواعد اللقاء الشرعى من اللباس و اداب الاختلاط .
و الشاعر الليبى يقول
           " و الدود ما يدخل المشلوحة...........و المسكرة يفسد النسيم العليل هواها "
يجب ان نعطى فرصة للشباب كى يتعارفوا اجتماعيا و بالتالى يتمكنون من معرفة بعضهم معرفة واقعية و ليس خيالية . فمعظم مشاكل الزواج بين الشباب الآن تعود لانعدام الالمام الجيد ا و الاعجاب المفرط ،   او الاعتماد على قرارات الاهل فى الاختيار عند البداية او الانفصال عند الوصول الى طريق مسدود .
    ان  رسالة الجيل الجديد هى التاسيس لعلاقات اجتماعية ليبية يبرز فيها الكرم الليبى و الاعتزاز بالأنتماء للوطن و المحافظة على التقاليد العربية الاسلامية الطيبة . و الارتباط بالوطن و السعى لخدمته من كل المواقع فى مجالات العلوم و التقنية و النشاط الفكرى والانسانى و الابداع الحضارى . و لكى تجتمع افضل الظروف لتنشأة اجيال المستقبل فى احسن البيئات علينا الاهتمام بانجاح الاسرة و الحياة الاسرية فهى المحضن الاساسى فى عملية البناء . لذا يجب علينا ان نبنيها على اسس من التفاهم و التناغم الفكرى و الاجتماعى و العاطفى بين العائلة الصغيرة و العائلات الحاضنة لها فى محيط المجتمع .
       و يمكن القول ان اخطر تحد يواجه الجيل الجديد هو موضوع الزواج ، و لقد ثمن رسول الله صلى الله عليه و سلم الزواج عاليا ووصفه بشطر الدين ، اى اكثر من نصفه ، فكيف نؤسس لديننا ؟
 الاصل فى هذا الامر  ان  يتم الزواج بين طرفين متكافئين قلدرين على تاسيس اسرة تتوفر لها مقومات الاستمرارية السعيدة . فالزواج ليس مشكلة و يجب ان لا يكون حلا لمشكلة . فهو حدث سعيد يراد به حياة سعيدة . و هو ليس مصير مكتوب بل قرار حر و كلا الطرفين فيه حر فى ان يختار ما يقتنع بانه الطرف المناسب له .
و لقد وضع الشرع الاسلامى اسس الاختيار بناء على ما ورد فى القرآن و السنة من شروط . و يمكن ان نلخص الشروط اللازم توفرها فى الزواج الناجح فى ما يلى :

الدين : لقد نصحنا الرسول صلى الله عليه و سلم  بذات الدين ، او صاحب الدين و لكن ماذا يعنى الدين ؟ الدين هو المعاملة ، معاملة الناس من خلق حسن و اسلوب حسن و كرم و نبل اخلاق . الدين هو الاسلام وهو العبادة  وهو الفهم الصحيح وهو التطبيق بدون افراط او تفريط . وفى مواقع اخرى دل على الايمان و العلم بالدين و خاصة احكام الزواج و الاسرة وتربية الاولاد . الدين هو الوسطية و محبة ا لمسلمين ، وهواحترام الكبير و العطف على الصغير و التواضع مع الجميع  . أى ان الدين هو اسلوب الحياة . كما اننا نعقد العقد على سنة الله و رسوله فحرى بطرفيه الالمام باحكامه الشرعية و على المأذون التأكد من ذلك قبل اتمام العقد .

القدرة على الزواج : والقدرة تعنى الحكمة فى اتخاذ القرار ، و الحكمة فى تنفيذه و الحكمة فى متابعته . والقدرة على الانفاق و ذلك بامتلاك مصادر تكفل العيش الكريم و فى زماننا هذا تعنى القدرة على العمل فى اصعب الظروف ، و اقل ذلك مؤهل علمى او مهنة او حرفة او تجارة . كذلك تعنى القدرة على تسيير امور الاسرة و تربية الاطفال . و ربما لا تجتمع هذه فى شاب تحت الرابعة و العشرين او فتاة تحت الواحدة و العشرين فزواج الاحداث يجر المصائب فى كثير من الاحيان .

الكفاءة او التكافؤ : وهى تقارب المستوى العلمى و الفكرى و العائلى و الاجتماعى و المادى و العاطفى و يدخل فيه تقارب السن و الطباع  ، و ظروف النشأة و التربية و التعليم و كذلك التقا رب فى الميول . كل هذا يساعد فى الانسجام و تحقيق الالفة  و التقارب . والمثل يقول" لا تزن نفسك عند واحد ليس لديه صروفك"

العائلة : تمثل العائلة البيئة الاساسية للنشأة و بالتالى لها تأثير مباشر على نمط السلوك الاجتماعى داخل الاسرة و خارجها . فكلما كانت الام متعلمة كان أثرها افضل فى تشجيع و تطوير قدرات الاطفال اى اباء و امهات المستقبل وكذلك الاب و حكمته فى معالجة الامور، و خاصة عند حدوث المشاكل . و دور الاسرة الاصل لا يقف عند التربية فى النشاة فقط و لكنها لها دور داعم للاسرة الجديدة و ملجأ للعون و الحنان و الحب للاطفال و مصدر لجلب الثقة و تقوية العزيمة للتغلب على عقبات الحياة.


الرضى و القبول : و نعنى به رضى طرفى الزواج و قبولهما للطرف الآخر فى جوانب الشكل و الجمال و الذوق العام و هنا يكون التقارب فى الصفات افضل الامور . و خير الزواج ما بنى على احترام متبادل ينمو مع الايام و اسؤها ما بنى على اعجاب مفرط يتبدد مع الايام  او على معلومات خاطئة أو مغررة  من احد افراد الاسرة . و ربما يساعد تطويل فترة الخطوبة فى التأكد من تحقق هذ ا، أما اذا ثبت غير هذا ففسخ الخطوبة اقل ضررا من الطلاق  فى جميع الاحوال .

صدق النية و سلامة القرار : من اسباب نجاح اى مشروع فى الحياة ان يكون له هدف سام يصبو الى تحقيقه . و فى الزواج الهدف السليم هو اتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فى اكمال الدين و بناء الاسرة . و المبدأ السامى يبقى طوال العمر و يزداد عمقا اما الجمال والمال و العواطف فقد تعصف بها الايام و لا يمكن الاعتماد عليها .  فى كثير من الاحيان يتم لى الحقيقة لترغيب احد الطرفين فى الامر و تكون النتائج وخيمة . ولقد وصف الله الزواج فى القرآن  بانه ميثاق غليض فلا يجوز فيه الكذب او الغش .

وللاباء اقول ان هذا الزمان لا تسرى عليه قواعد اجدادنا و الامام على بن ابى طالب رضى الله عنه قال  "لا تقسروا  اولادكم على اخلاقكم فانهم خلقوا لزمان غير زمانكم ". و هذه قاعدة ذهبية فى التربية ، و بالاخلاق عنى اسلوب الحياة . فالفرق الجلى بين الانسان و بقية المخلوقات يكمن فى تطور الانسان فى نمط حياته مع تقدمه فى المعرفة

رسالة الجيل القديم

       تمر الايام يوما بعد آخرو نزداد قربا من الآخرة ، و البعض منا يزداد على الدنيا حرصه و البعض الآخر يجعله هذا أكثر شوقا الى لقاء الله العزيز الغفار حبا فى لقائه و نيل رضاه . و من مقولات فقهاء الليبيين : يشيب المرء و يشب معه خصلتان الحرص و طول الامل . و كثيرا ما نسمع بالكوارث بيننا و المصائب فينا و موت اصدقائنا فهل اعتبرنا ؟. كم من أخ ليبى مات وحيدا و لم يعرف حاله أحد الا بعد عدة أيام؟ و كم من اخ ليبى متزوج من غربية انقلبت عليه و أخرجته من البيت ووضعت يدها على أمواله و اولاده و هو حى يرزق ؟و كم من أخ ليبى ورثته زوجته الأوربية و ضاع حق بقية ورثته الشرعيين؟ وكم من فتاة ليبية تزوجت من غير ليبى و تشردت فى أرض الله ؟ ناهيك عن من تزوجت غير مسلم و ضاعت دنيا و آخرة . القائمة طويلة و الحديث عنها لا يفيد اذا لم نعتبر و نعمل على تغيير هذا أو على الأقل نعالجه و لو جزئيا .
        وأول الغيث قطرة فلنحرص على اللقاء فى ما بيننا و لو مرة واحدة فى العام لنقل فى الأعياد ، و لنحرص على الاتصال بالهاتف و لو مرة واحدة فى الاسبوع ، و لنحرص على تبادل الأخبار عن طريق شبكة المعلومات ، و بالتالى نحقق الحد الادنى من التواصل . وداخل المدينة الواحدة لنحرص على عيادة المرضى و حضور الجنائز و على اجابة الدعوات فى المناسبات . و لقد كان لليبيين هجرات فى الازمنة القديمة و كانوا يحرصون على التجمع و التآخى بين الافراد و العائلات و القبائل و كان ذلك التآخى موثقا كتابيا بينهم ، و يدافع الأخ عن أخيه و يتحمل معه نوائب الدهر تماما مثل ما يفعل مع أخيه من أمه و ابيه .
بالنسبة لمن يتزوج من غير المسلمة أو من تتزوج بغير المسلم فهم الذىن جنوا على أنفسهم و المثل الليبى يقول : العتب موش على السبخة و لكن على اللى حرث فيها . فانك مهما  بذرت فى السبخة من بذور فاخرة لا تحصد الا الديس ، و فى هذا الزمان لا أحد يشترى منك الديس . و أما من يبتعد عن الدين فى حياته فلا يلومن الا نفسه عندما يكتشف أن اولاده تركوا الدين بالكامل ، و لقد لقيت طلبة و طالبات من أبناء المسلمين يصرحون علنا انهم ليسوا بمسلمين و تقول أحداهن لى: الأمر كله نفاق والدى كان يشرب الخمر و يسهر و يحب الرقص و يريدنى أن أكون مسلمة ، انا لست مسلمة و أذهب مع والدتى للكنيسة . اما ليبى آخر متزوج من كاثوليكية أمريكية متعصبة و أولاده كلهم نصارى ،  غار لدينه و ثار و هدد بترك البيت اذا لم يعد ابنه عن قراره فى دخول سلك الرهبانية ، أى أن الابن اراد أن يصبح قسيسا . لا أدرى ماذا حقق الأب بهذا أكثر من زيادة عدد أحفاده من النصارى؟ و لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم .
 أما من يتزوج من ليبية أو عربية مسلمة و يحولها الى شبه نصرانية لا دين لها فقد جنى عليها وعلى نفسه و كذلك المرأة التى تفرط فى دينها ، فأولادهما سوف يتزوجون من غير المسلمين و أحفادهم سيكونون غير مسلمين و بالتالى يكونون كمن يستل عروقه  بيديه .
بالتأكيد مرت علي كثير منكم حكايات كثيرة مثلها أو أسوأ منها حينما تطرد الزوجة الغربية زوجها من البيت اذا كبر الاولاد و البنات و انقلبوا على والدهم الذى اكتشف آخر العمر أنه مسلم ، وتاب ولبس جلابية ابيه فى غير مكانها ، أو بدأ يغارعلى بناته عندما وصلن سن البلوغ . و المهم الآن هو العبرة من هذه القصص واتخاذ خطوات سليمة لعلاجها .
و افضل نصيحة للجيل الجديد هى بعدم الزواج من غير الليبية ، و اذا استحالت الليبية فالعربية ثم المسلمة أب عن جد و ليس مسلمات آخر ساعة ، أى قبل الزواج . و خير هؤلاء جميعا الملتزمة و الفاهمة للدين و خير الازواج من كان كذلك بالنسبة لمن اراد العفاف لبناته أومن أرادت ذلك لبناتها . و يجب على من يتزوج بغير العربية أن يؤكد فى عقد الزواج على تربية الاطفال على الطريقة الاسلامية سواءا كان حيا او ميتا . بمعنى أنه اذا استحال العيش بين الزوجين و اضطرا للطلاق يمكن أن يتبنى الاطفال أسرة مسلمة حسب القوانين الغربية . كما أنصح من يقيم أو تقيم فى الغرب و خاصة من تزوج بغير المسلمة أن يؤكد على دفنه على الطريقة الاسلامية و يوكل ذلك الى احد المساجد أو المراكز الاسلامية ، و اذا لم يفعل الزوج هذا فان  للزوجة الحق فى دفنه كيف تشاء طبقا للقوانين الاوربية . وفى بعض الحلات أحرقت الزوجة الغير مسلمة جثمان زوجها المسلم و احتفظت بالهباء لفترة ثم ألقت به فى البحر رغم معارضة اصدقائه المسلمين . بالطبع كل هذا ليس له معنى اذا كان المرء لا يعرف الله الا عند الموت ، انا لله و انا اليه راجعون .
كذلك انصح كل من يقيم فى الغرب من رجل كان أو أمرأة بكتابة وصيته على اسس شرعية و عند محام مسجل فى بلد الاقامة . بحيث تحمى هذه الوصية حقوق جميع الورثة و حقوق جميع الدائنين و هذا أمر واجب على كل مسلم و مسلمة فى اى مكان . و يمكن الرجوع الى من يثق فيه المرء من العلماء  عند اعدادالوصية .
 و خير نصيحة للجيل القديم هى الخروج على العادات و الأفكار البالية من الاهتمام بالمظاهر و الانشغال بأحلام الطفولة  وترك الجيل الجديد حائرا بدون توجية سليم . علينا جميعا تقع مسئولية كبيرة لتيسير زواج الابناء و البنات قبل أن يتصرفوا بطريقة خطأ و يقررون الزواج بدون الرجوع أو الاصغاء للأهل . كذلك بيننا من  يعتقد أنه لا يوجد فى الدنيا  من هو أفضل من أولاده و هذا ليس سليما ، و بعضنا يريد ان يصلح اخطاء حياته بواسطة ابنائه و يحول الاسرة الى شركة و هذا كذلك سيدمر الجميع اذا فشل المشروع . و البعض الآخر يريد ان يعيد سيرة أبيه  مع أولاده ، فيريد أن يعيش الجميع فى نفس الحفرة ، فكيف لا ترضى لنفسك  بما رضيته لوالديك عندما  ابتعدت عنهم . و البعض قد يعتقد أن الزواج سوف يصلح ابنه المنحرف أو ابنته المنحرفة و بالتالى يورطون بريئا فى زواج فاشل يؤسس على الخداع ، و كثير منا لا يكون صادقا اذا طلب احدهم رأيه فى أحد الاطراف و كما تعلمون المستشار مؤتمن و الدين النصيحة .
 علينا أن ننتبه الى أن الوقت يمر، و الايام تمر مر السحاب و بدل أن نضيع الوقت و الجهد فى معارك وهمية لا فائدة منها ، علينا التفكير فى جيلنا الجديد ، رأسمالنا و استثمار حياتنا و امل بلادنا ، كيف لا  و هم ابناؤنا و بناتنا . و على الجميع أن يعرف ان أخطر و أهم رسالة للجيل الجديد هى اختيار رفيق الحياة خاصة فى بلاد الغربة ، و الأمر يحتاج الى بحث و سعى و اتصالات و يجب أن لا نتركه للصدفة ، فقد تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن . و الأمر بنفس الصعوبة و الأهمية للجنسين ، و ربما تكون للبنات أصعب بمرور الوقت ، خاصة اذا أقامت الأسرة فى منطقة منعزلة عن الجالية الليبية . و الحمد لله بلادنا مليئة بالشباب الطيبين و الشابات الطيبات و من عوائل و أصول نرضى بها جميعا و تناسبنا و بالتالى نحل مشكلة الجميع و يكون زيتنا فى زميتنا كما يقول المثل ،  فلنحرص على تهيئة الظروف لذلك .
 و الجيل القديم يتحمل كامل المسئولية على وجود الأبناء فى الغربة ، و بالتالى عليه تحمل العواقب المترتبة عليها و يجب أن لا يضحى بمصالحهم و مستقبل حياتهم ليبقى الأبناء الى جانبه ، بل يجب علينا أن نساعدهم على الانتماء الى الوطن و الارتباط بالأهل بالمواظبة على الزيارة فى العطلات و المشاركة فى النشاطات الليبية المحلية و متابعة أخبار ليبيا و الليبيين .
 اننا كثيرا ما ندعى الوطنية و لكن اولادنا بعضهم لا يعرف الوطن ، و بعضهم لا يحب الوطن كثيرا ، و بعضهم يكتفى بالوطن المستعار أى بلاد المنشأ ، و الأباء و الأمهات مسؤولون عن كل هذا بالدرجة الأولى . و كثير منا يدعو الى الديموقراطية و هو دكتاتور فى حياته و لا يريد من أحد أن يقول رأيا مخالف لرأيه ، فهل هكذا تكون حرية الرأى التى نطالب بها ؟ و هل هكذا تكون الديموقراطية ؟ .
 كما اننا كثيرا ما نطالب أبنائنا بالتفوق و الجد و كثير منا ينام فى مكانه ولا يعرف الى التطور طريقا ، اننا نلوم زماننا و قد يكون العيب فينا . كلنا يعرف تماما أهمية تطوير قدرات الأباء و الأمهات خاصة مع توفر الفرص ، فلماذا لا نستفيد من وقتنا و نطور قدراتنا ؟. كذلك نحن ندعو دائما الى أدب الاختلاف ولكننا لا نستحى من استخدام قلة الادب فى حوارنا ، كيف و جيل شابت كل شعرة فيه يسعد بكشف عورات من كانوا له بالامس اخوانا ، و الشاعر يقول انما الأمم  الأخلاق ما بقيت فأن هم  ذهبت أخلاقهم ذهبوا . وعلى الجميع أن يعرفوا أن ما يسطرون على صفحات المواقع باق الى يوم القيامة ، تقرأه الاجيال و يتحاسب به الجميع  سواء كتبت باسمك أو باسم مستعار .
 و اذا كان للجيل القديم فى هذه الدنيا رسالة فهى تفكيك ما ورثنا من عقد وما أضفنا اليه من عقد الى عقد فينا  و التفكير جديا فى انقاذ و المحافظة على ما تبقى من الأمل لدينا ، و هم الجيل الجديد حفظهم الله و جنبهم ما كان من عيب فينا . بطبيعة الحال كلامى هذا لا ينطبق على الجميع لكن البلوى عادة تعم و الحكمة يختص الله بها من يشاء من عباده ، و انما اردت التذكير برسالتنا فى الحياة فى هذه الأيام المباركة .

المرأة فى حياتنا

      فتاة من طرابلس


لقد نالت المرأة الحظ الوفير بين الرجال على مر التاريخ من غزل الشعراء و وصايا الأنبياء وكتب السماء. وقعت من أجلها المغازي والمعارك الطويلة وإعتلت سدة الحكم في بلاد كثيرة ، وفي بلاد كبيرة ، وفي انظمة حكم مختلفة . وشهدت كتب السماء لعدد من النساء بالحكمة والحنكة والدهاء.  لكن في فترات الإنهزام والتخلف يلحق بها الكثير من الظلم وسوء المعاملة بل وقد تدفن حية داخل جدران بيتها أو في التراب قبل أن تدخل الدنيا .
نسب المرأة
المرأة في الأصل القريب هي الجدة التي تمنح العطف والحنان بلا حدود للأحفاد، وتصف أحفادها في التراث الليبي " بالكبد المثنية " أي أن الأحفاد لهم كبد ضعيفة بمعنى رقيقة حانية عليهم.والجدة تعني التاريخ والعادات والمواصلة بين الأجيال كما تكون المحامي عن الأحفاد ولقد جعلها الاسلام أصل في الأرحام.
ثم تأتي المرأة في منزلة الأم وهي الوالدة والمرضعة والمربية الحنون، فهي للولد كل شئ والمثل الليبي يقول " ما بوى إلا بأمي " أى ليس أبى إلا بأمي. فهي التي تسهر وترعى في أوقات المرض وهي التي تسند وتنصح في أيام الشباب والرجولة وهي صاحبة الصحبة في الدنيا فلها ثلاث أضعاف ما للأب من حق فيها. ولولا مكانة الأم لما حرم الإسلام بالرضاع ما يحرم بالنسب، فما بالك إذا كانت هي الوالدة و المرضعة والمربية.
وبعد الأم تأتي الخالة وهي أخت الأم، وهي الأم في غياب الوالدة وهي الحاصنة في غياب الوالدة والمثل الليبي يقول " الخالة أم " وحنان الخالة لا يعلو عليه إلا حنان الأم أو الجدة. ثم تأتي العمة وهي أخت الأب، و هي  لا تقل حنانا ولكنها أكثر غيرة وأشد نصحا لأبناء أخيها الذين يحملون لقب والدها.
وإذا كانت النماذج السابقة هي أصولا للاسرة في المحبة والرحمة والحنان فيجب أن لا ننسى  الأخت والتي ترى عزها من عز أخيها. وتتميز الأخت بالإضافة إلى المحبة والحنان بطول الرفقة فهي طالما ترافق أخاها بالحنان بعد غياب الجده والوالده والعمة والخالة. ومكانة الاخت تأتى بعد الام مباشرة فى درجة الحب و الحنان و الارتباط المعنوى فهى رفيقة الصبى و الطفولة و الرجولة .
وإذا كانت الأخت كذلك فلا ننسى تفاحة القلب ألا وهي البنت ، فهي في القلب دائما والقلب عرينها ، والحفيدة مثلها ان لم يكن أقوى. و منذ الصغر تقع كل بسمة وكل خطوة لهما  فى القلب و ينمو الحب معهما يوما بيوم ولا شىء اقسى من دمعتيهما عليه. و يأتى دورهما مع تقدم السن و الحاجة الى الحنان الحانى والرعاية العطوفة.
     وفي الختام ختامها مسك الا وهي الزوجة.  فالزوجة هي رفيقة العمر وعمود البيت، هي حلاوة الأيام وجمال الذكريات، والمرآة التي ترى فيها خلقك ودينك ومعاملتك . ومثلما يتعلق الوليد بأمه في طفولته تتوجه مشاعره في شبابه بحثا عن زوجة يتعلق بها بقية عمره. و لقد اصاب الليبى حين أ سماها" رفيقة" ، فهى رفيقة فى الطباع وفى الحياة و فى الجنة لمن يكرمه الله . وأنا لاأقول هي نصفه الحلو ولكن أقول نصفه المكمل إذا كان للكمال أهلا، وتشمل الجميع وصية الرسول صلى الله عليه وسلم " استوصوا بالنساء خيرا " وهذا يشمل كل النساء في حياتنا إضافة إلى ما ذكرنا.

مظلمة النساء في زماننا:
بالرغم من أن الأديان السماوية أكرمت النساء وجعلتهن أصلا للأرحام وعنوانا للرحمة في الأرض إلا أن جاهلية الرجال أوقعت عليهن مظالم كثيرة.وأقل ذلك القطيعة في الأرحام فالمرأة ترى حياتها في أصولها وفروعها وعزها وبهجتها في رؤية الأقارب. ثم يأتي بعد ذلك حرمان النساء بصفة عامة من التعليم سواء كان ذلك التعليم أساسيا أو مواصلة تنمية قدراتها بالدراسات الجامعية والعليا . أضف الى ذلك النظرة الدونية إلى النساء بصفة عامة وهي عادة ذكورية سيئة وحتى فى أيام العصر الجاهلي كان للمرأة العربية مكانه ورأي ، والأثار تدل على ذلك مثل دور أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها قبل الاسلام فى الحياة العامة ودورالخنساء فى التراث العربى على سبيل المثال.  ثم إذا سمح الرجال للمرأة بالدراسة فقد يقفون في طريق عملها والذي تجد فيها قيمة إجتماعية وذاتية دافعة ومرضية. ثم إذا سمحوا لها بالعمل فقد يستولى الأخوة على كل شي. وأخيرا حينما يتوفى الوالدان كثيرا مايستولى الأبناء على الميراث وتخرج النساء بدون ميراث . اليس هذا ظلما و الله سبحانه وتعالى وصف الظلم بأنه ظلمات في يوم القيامة.
وإذا كان الظلم للغريب ظلمات يوم القيامة فمابالك بظلم أقرب الأقارب، إننا في عاداتنا نظلم النساء ظلما كبيرا ولو تركنا الظلم في الماديات جانبا و سلطنا الضوء على الظلم في موضوع الزواج ، حيث يقرر الأب أو الأخ أو الأسرة زوجا لا ترضاه البنت ، أو يرفضون زوجا تراه البنت مناسبا فيحولون أسعد لحظات حياتها الى حزن وألم لا يفارقها مدى الحياة.  وفي أحيان كثيرة يتدخل أفراد الأسرة ليفرضون الطلاق على زوجين سعيدين بسبب خلاف تافه أو مصالح أو معاملات دنيوية لايد لهم فيها.
وفي أحيان أخرى وإذا وقع خلاف بين الأزواج نرى نماذج سيئة من سوء المعاملة للمرأة من الضغط عليها لتتنازل عن حقوقها فى محاولة لإذلالها وقهرها إن كانت ضعيفة، أو محاولة تدميرها وإلحاق الأذى بها إن كانت متعلمة وناجحة في حياتها.
إن العرف السائد لدينا عرف ذكوري متخلف في كثير من الأحيان لا يعرف معنى لحسن الفراق. فالرجل الكريم كريم في المعاشرة وهو كذلك كريم في الخلاف وكريم في المفارقة، وإن لم يكن حسن الخلق في مواطن الخلاف فلا معنى لخلقه الطيب في زمان الراحة. و كذلك الاهل ، يجب ان يكونوا اهلا فى السراء و الضراء و كما يغفرون للفتى زلاته يجب ان يرحموا الفتاة اذا وقعت فى زلة و الذى يشكل حياة الجميع هو المجتمع، وأسلوب التربية هو الحصن للجميع . و بالاضافة الى التربية الحسنة يجب ان يكون لدينا هيئات خيرية و جمعيات حقوقية لحماية المرأة و رعاية حقوقها اذا اخفق الاهل و الاقارب فى حمايتها أو عندما تقع فى مشاكل قانونية .
    وليتق الله كل منا في النساء من الجدة الى الحفيدة وخصوصا البنت والأخت والزوجة فلحظات الغضب قد تمنع الود عنها ، بل قد تحرمها حقوقها التى جعلها الله لها ، من حق الحياة الكريمة وحق التعليم و حقوق الملكية وحق اختيار الزوج وحق الحضانة للاطفال و حق الكسب المشروع وحقها فى الميراث.
وكلنا يعلم أنه لا يؤمن أحدنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، هذا مع الغريب فمابالك مع القريب الحبيب و المحب و الله المستعان.