في الحياة بصفة عامة وفي السياسة بصفة خاصة
لا يوجد غالب أو مغلوب بل تدافع من أجل الأفضل وفي النهاية يكسب الجميع. ولو نظرنا
للثورة الليبية لوجدنا قتلى على الجانبين وربما كان كل جانب يرى أنه على حق، ولكن
الله قدر أن ينتصر الثوار في الصراع العسكري على الأرض لأن هدفهم كان العدل
والكرامة والحرية للجميع. هذا على الأرض ولكن في ميدان السياسة فاز الجميع فالتحول
الديمقراطي السليم سوف يلبي حاجات الجميع في العزة والكرامة.
ليس عيبا أن نختلف أو نتقاتل
فقد اختلف من هم خير منا وتقاتلوا وبينهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم
استقرت الأمور وازدهرت الدولة الإسلامية وحكمت الدنيا ولو بقى المسلمون يبكون
موتاهم ويبحثون عن ثاراتهم لغزاهم الروم والفرس وقضوا عليهم.
ولو نظرنا حولنا لرأينا كيف
تحولت أوربا من دويلات متناحرة عدة قرون إلى دولة عظمى موحدة رغم حكوماتها
المختلفة وقوية رغم تنافسها وتشعب فروعها. لقد انتبه بني الأصفر إلى أهمية الحوار
والبحث عن حلول بدل التناحر وخرجت للدنيا دعوات في الثلاثينيات من القرن العشرين
وخلال الحروب تدعو إلى الحوار الهادف والذي يمهد الطريق للتعاون المثمر وهاهم الآن
يطورون تعاونهم ليشمل دويلات حوض المتوسط رعاية لحق الجوار ومن أجل حماية أمنهم
الاجتماعي من التهديد من خارج حدودهم.
إن روح الانتهازية والابتزاز
التي تسيطر على عقول الكثيرين من ضعاف النفوس في البحث عن مكاسب ذاتية سريعة لا
يسمن ولا يغني من جوع بل سيقودنا إلى دمار مهلك. تصوروا لو أن كل ليبي خرج للعلاج
على حساب الوطن مهما كان ظرفه ولو أن كل ليبي سافر للدراسة في الخارج على حساب
المجتمع ولو أن كل ليبي احتل مباني الدولة وبدأ يساوم على ثمنها، هل بالله عليكم
ستبقى في ليبيا دولة؟ وهل سيبقى في ليبيا
شعب يستحق الحياة؟
لقد قدم الثوار الليبيون تضحيات عظيمة أذهلت العالم فهل نحافظ على
نتائجها أم نستسلم للغرائز السريعة ونسقط ضحية للابتزاز والتهديد والبلطجة. إن
الطريق إلى كرامة الجميع سيكون عبر صناديق الاقتراع ومن خلال احترام النتائج وصولا
إلى دستور يحمي حقوق الجميع وينظم الحياة بسلام ويرسم معالم التقدم والازدهار من
خلال التنمية البشرية المستدامة عبر التعليم والتدريب والتأهيل المستمر. علينا
جميعا أن نأخذ مواقعنا الصحيحة في قطار التقدم ونقبل بالرأي والرأي الآخر ونتحاور
ونتفاهم على التعاون في تحقيق ما نصبو إليه.