Thursday, July 5, 2012

ليبيا الجديدة والحاجة إلى "قانون تسجيل العميل الأجنبي"


بعد أقل من أسبوع من الأن، سيتجه الليبيون إلى صناديق الأقتراع وكلهم أملون بأن تمر التجربة بخير وسلام وأن يفوز من يدلون لها أو له بإصواتهم.  كلنا ننادي بإنتخابات شفافة ونزيهة بعيدة عن التزوير والغش، والأهم من ذلك بكثير أن تكون تجربتنا الإنتخابية الأولى منذ عشرات السنيين بعيدة عن العنف وإرهاق الدماء.  ولكن علينا أن نعد أنفسنا ونتوقع بأن تجربتنا القادمة لن تكون نزيهة وشفافة كما نريد وسيشوبها نوعآ من الغش في صور عديدة لأنها الأولى، سيقدم البعض على إغراء الفقراء وضعاف النفوس لبيع أصواتهم مقابل دراهم قد تكون كثيرة، وستحشى صناديق الإقتراع بأصوات مزورة، وسيكون هناك تزوير في رصد عدد الأصوات.

الإنتخابات الأمريكية وإمتهان التزوير

في عام 1960 حدثت عملية تزوير كبيرة في إنتخابات الرئاسة الأمريكية، حيث كانت هناك عملية تزوير منظمة في ولاية ألينوي، نتج عنها فوز جون كينيدي على خصمه ريتشارد نكسون. ولولا فوز كينيدي المزور في ولاية ألينوي، لكان نكسون هو الرئيس الأمريكي الشرعي في تلك الإنتخابات نظرآ لتقارب عدد الأصوات التي حاز عليها المرشحين فى سباق الولايات الأخرى. ولم تنتهى المؤامرة هنا بل إستمرت عندما كانت هناك مطالبات للتحقيق في عملية التزوير التي حدثت في ولاية ألينوي والتي أدت إلى نتيجة لم تعبر عن ما أراده الشعب الأمريكي، ولكن الدعوات إلى التحقيق لم تستجب لها حكومة كينيدي ورفضت من قبل وزير العدل روبرت كينيدي، شقيق الرئيس. وبالمناسبة أود أن أذكر بأن روبرت كينيدي لم يسبق له أن عمل في القضاء أو المحاماة أو حتى تقديم الإستشارات القانونية، إلا أن ذلك لم يمنع شقيقه من تعيينه وزيرآ للعدل...
أغتيل الرئيس كينيدي وخلفه نائبه ليندون جونسون رئيسآ للولايات المتحدة الأمريكية، والمثير في الأمر أن ليندون جونسون كانت له خبرة أطول وأقدم من جون كينيدي في عمليات تزوير الإنتخابات، ولعله يكون هو الرأس المدبر لعملية تزوير الإنتخابات في ولاية ألينوي. ويرجع تاريخ جونسون في تزوير الإنتخابات إلى عام 1948 عندما رشح نفسه لعضوية مجلس الشيوخ الأمريكي، حينها نفذ جونسون وفريقه أكبر عملية تزوير في تاريخ الإنتخابات الأمريكية حيث فاز على خصمه بالغش والتزوير الواضحين.
ورغم ما قاما به كينيدي وجونسون، الذي بدء حياته السياسية بالغش في الإنتخابات، إلا أن الرجلين قدما لوطنهما ما لم يقدمه بعض الرؤساء الأخرين. حيث أثبت جونسون من أنه أكثر الرؤساء الأمريكيين تأثيرآ على الكونجرس. حيث إستطاع تمرير القوانين والتصويت عليها بدون تأخير وذلك بإتصاله الدائم مع أعضاء الكونجرس. إضافة إلى أن فترة حكم جونسون شهدت صدور تشريعات ما سمى بـ "المجتمع العظيم"   (Great Society) وهي مجموعة من البرامج كان من أهدافها الرئيسية تطبيق إصلاحات إجتماعية كان منها القضاء على الفقر والتفرقة العنصرية، حيث تم إطلاق برامج جديدة للانفاق على التعليم، والرعاية الطبية. وماحدث من مغالطات في فرز الأصوات في إنتخابات سنة 2000 والتي نتج عنها فوز جورج بوش، يضاف إلى تاريخ الإنتخابات الأمريكية من عدم شفافية وغياب للنزاهة، ومع ذلك لم يلجأ الأمريكيون لإستعمال العنف لتصحيح نتيجة الإنتخابات. 

قانون تسجيل العميل الأجنبي

على الجميع أن يدري بأنني لا أشجع على حشو صناديق الإقتراع بأصوات مزورة أوشراء الأصوات أوالتزوير في رصد عددها، ولكن هذه الجرائم يجب علينا أن نتوقع حدوثها وأملي أن نحاول التغاظى عنها هذه المرة ولا نلجئ إلى العنف لتصحيحها ونرضى بنتيجة العملية الإنتخابية، لأن نعمة الديمقراطية تكمن في أنك (إذا كان عطاك الله عمْر) ستدلي بصوتك في الإنتخابات القادمة لشخص أخر، إذا لم يعجبك من أدليت له بصوتك في المرة السابقة، ومع مرور الوقت سنستطيع تطوير نظامآ إنتخابيآ أفضل من حيث معايير الشفافية والنزاهة إضافة إلى إكتمال مفهوم أهمية الإدلاء بالإصوات في الإنتخابات لدى المواطنيين.
الشيئ الذي يجب علينا عدم قبوله ومحاربته، بل تجريمه، هو أن يحاول الليبيون، أحزابآ وجماعات وأفرادا، الإستعانة بعناصر أجنبية وطلب العون المالي منها وتنفيذ أجندتها، سواء كانت دول أو منظمات أو أفراد، لذلك أطلب من الجهات المسؤولة بضرورة التسريع، ولو حتى مجرد الإعلان عن الشروع في، سن قانون بما يعرف بـ "قانون تسجيل العميل الأجنبي".
لاأريد أن أدخل هنا في تفاصيل هذا القانون لأن ذلك سيتناوله المختصون، ولكن أود أن أذكر بأن أهداف هذا القانون هو منع الأحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني وكذلك الأفراد من إستلام المساعدات المالية والعينية من أفراد وجماعات وحكومات أجنبية من أجل تنفيذ مصالح تلك الدول والجماعات والأفراد والتأثير على مسار السياسة الليبية. وفي حالة إستلام أي حزب أو جماعة أو فرد ليبي مساعدات مالية أوعينية من جهات أجنبية، يجب عليه أن يتقدم إلى الجهات المعنية الليبية بطلب معد مسبقآ لتسجيله بصفة "عميل أجنبي"، وإلا سيعرض نفسه للمسائلة القانونية والتي ستؤدي إلى فرض غرامات مالية أو عقوبة مقيدة للحرية (الحبس أو السجن). 
قديقول البعض أن الغرامة المالية لاتكفي، فقد يدفع الشخص جزء من المال الذي إستلمه من الخارج ويستمر في برنامجه، إلا أننى أعول على ما يحمله القانون من معنى، فكلمة "عميل" لها صدى قوى في المجتمع الليبي وتحمل في طياتها الخزي والعار لمن إلتصقت به.  فبمجرد أن تعلم الأحزاب والجماعات وكذلك الأفراد، أنه يجب عليهم التسجيل كعملاء قد يردع البعض من التمادي في خدمة المصالح الأجنبية.
في عام 1962 قام الطبيب النفسي تيتوس ليدسدورف، أحد موظفي وكالة ألـ سي.آى.آيه (C.I.A)  بدراسة نفسية كان جزء منها نتيجة إمتحان نفسي أجرى على  100 ليبي من العاملين بقاعدة ويلس الأمريكية (قاعدة أمعيتيقة) وكذلك التحدث مع بعض المثقفين الطرابلسيين وإستجواب بعض الضباط الأمريكيين الذين كانت لهم علاقات مع الليبيين وعلى إطلاع على العقلية الليبية.
البحث تناول جوانب عديدة للشخصية الليبية، وما يهمنا هو ماخلص إليه الباحث من أن الليبي تهمه صمعته في المجتمع، فالذنب لدى الليبي متعلق بمدى الفضيحة التي تلحقة. لذلك عندما نطلب من الليبي أن يسجل لدى السلطات الليبية بأنه عميل لطرف أجنبي ومن ثما يعلم المجتمع أنه عميل، فمن الممكن أن تفكر الأحزاب السياسية والجماعات والأفراد مليئآ قبل أن تمد يدها للحصول على العون الأجنبي وخدمة أهدافه.      
ما إقترحته هنا ليس بجديد، فالولايات المتحدة قامت بسن قانون صارم عام 1938 يحمل نفس الإسم، ومنذ صدوره قدمت بعض الجماعات والأشخاص إلى المحاكمة، ولم يستثنى أحد. في أواخر عام 1978 وأوائل عام 1979، زار بيلي كارتر ليبيا ثلاث مرات مع وفد من ولاية جورجيا الأمريكية مسقط رأسه. وحصل على قرض من ليبيا قدره 220000 دولار حسب ما أقر به السيد بيلي (البعض يدعى أن المبلغ الصحيح هو 2 مليون دولار). وصل خبر التمويل إلى مجلس الشيوخ الذي دعى إلى تشكيل لجنة للتحقيق في الأمر، وخوفآ من التحقيق وتفاديآ لعواقبه، إضطر السيد بيلي في نهاية المطاف للتسجيل بصفة "عميل أجنبي للحكومة الليبية". أما شقيق بيلي، الرئيس جيمي كارتر، كتب معربآ عن قلقه من تلقي شقيقه لأموال من ليبيا وصرح بأن ذلك لم يكن له تأثير على سياسة الولايات المتحدة أو الإجراءات التي تمس العلاقة بليبيا في الماضي، وانه لن يكون له أي تأثير في المستقبل. لازلت أتذكر جيدآ عندما وصفت إحدى المجالات الأمريكية الحادثة بأنها تعبير دقيق عن تركيبة العقلية العربية التي تعتقد بأنك "أذا أردت الوصول إلى السلطان، فعليك أن تشتري أخيه"!!! 
د. محمد مفتاح الكربال
محامي ومستشار قانوني/نيويورك، ليبيا، دبي
للإتصال والإستفسار mohamed@karbal.net

No comments:

Post a Comment