Thursday, November 1, 2012

أبوشاقور والهبوط قبل الإقلاع


    السيد مصطفى بوشاقور شخصية علمية مرموقة دفعت بها ظروف تحرير ليبيا للخوض في غمار السياسة بسبب الفراغ في القيادات على الساحة الليبية الذي صنعه حكم دكتاتوري ظالم على مدى أربعة عقود فتحول الجميع إلى مجاميع تنتظر تعليمات الطاغية أو أبنائه ناهيك عن من تورطوا في أموال وأعراض ودماء الليبيين أو ساهموا في تدمير الأخلاق والثقافة والوعي العام والتعليم في البلاد.
   نشأ السيد د مصطفى بوشاقور في رحاب الجامعات والتعليم والبحث العلمي  يؤمن أن "واحد زايد واحد يساوي اثنان" لكن فاته أنه في عالم السياسة يمكن أن يكون الناتج حكومة أو سقوط حكومة، خاصة إذا كان أحدهما أو كلاهما داهية أو جاهلا في علوم السياسة والكولسة.
 والواضح أن السيد أبوشاقور كان يعتقد أنه فاز بالترشح لمنصب رئيس الوزراء، وفي الحقيقة هو لم يفز ود.جبريل لم يخسر المنافسة بالرغم من حشد العديد من الأصوات الهلامية ضده فهي لم تكن لصالح ابوشاقور، وأكاد اجزم بان الفائز هو د جبريل الذي نجح في زيادة عدد المصوتين له من بين المستقلين. وفي النظم الديمقراطية لا معنى لفوز في مجلس منتخب أو برلمان إذا لم يكن مدعوما بتأييد حزبي وائتلاف دائم وفي الواقع لم يملك السيد أبو شاقور أكثر من أصوات حزب الجبهة الوطنية.
          بالتأكيد كان الخاسر الأكيد هو العملية الديمقراطية عندما تم تفصيلها لإقصاء مرشح العدالة والبناء أولا في الجولة الأولى، ثم إقصاء د جبريل ثانيا في الجولة الثانية وجاءت الضربة القاضية ثالثا بتشكيلة حكومة أبو شاقور الأولى الخالية من الحكمة في غياب النصيحة الوطنية الخالصة ثم كانت مسرحية الانسحاب بكرامة من حلبة النزال في التشكيلة الثانية في حكم القشة التي قصمت ظهر البعير، وبالتالي غابت الروح الوطنية من الميدان وكشرت الجهوية والقبلية والمصلحية عن أنيابها وأصبح المؤتمر الوطني في مهب الريح وانهزم النهج الديمقراطي ودخلنا نفق البحث عن حلول.
       ويتحمل جميع أعضاء المؤتمر الوطني كتلا ومستقلين كامل المسئولية عن ما حدث، فالأمر كان واضحا في غياب الأعضاء عن جلسات تقديم المرشحين لرؤيتهم وانشغالهم بالكولسة خارج القاعة بالإضافة إلى قرارهم البعيد عن الصواب الذي أجهض العملية الديمقراطية  وانتهى بالفشل. وهذا يدل على غياب الحنكة السياسية وسوء تقدير الموقف وتغليب المصالح الجهوية والحزبية والشخصية على مصلحة الوطن، كما يدل على عجز قيادات المؤتمر أفرادا وجماعات عن تغليب المصالح العليا للوطن وانعدام قدرتهم على مواجهة مواقف حرجة في ظروف استثنائية.
        كان الجميع يتوقعون من السيد أبو شاقور كما وعد مسبقا حكمة اكبر وتشاور أوسع وتشكيلة أفضل بكثير مما تقدم به في المرة الأولى فهو فعلا خسر السباق عندما تقدم بها في اليوم الأول، وقد خيب ظن أقرب مستشاريه في اختيار الوزراء عندما مال إلى رأي المقربين منه وخرج علينا بتشكيلة جهوية عرجاء؛ وهنا يمكن أن نقول واحد زايد واحد قد يساوي مصيبة و لا أدري ماذا فعل السيد أبوشاقور بالعدد المهول من السير الذاتية أم أن الأمر لم يزد عن كونه متابعة لكشكول المجلس الانتقالي.
   يتضح جليا مما حدث أن وجود أبو شاقور في الحكومة الانتقالية لم يحرك ساكنا ولم يضف إلى خبرته السياسية، فالدكتور عبد الرحيم الكيب باستخدام السير الذاتية وقوائم المرشحين شكل حكومة حققت العديد من الانجازات ونقلت البلاد إلى بر الأمان في ظروف أمنية واقتصادية صعبة للغاية، وحازت على رضا المجلس الانتقالي إلى آخر لحظة في عهده وهي الآن تسير الأمور في عهد المؤتمر الوطني بدرجة مرضية وتمكنت من استرجاع مجرمين كبار وحررت الأرصدة المجمدة، ولها الفضل أخيرا في إعادة بني وليد وأهلها إلى حضن الوطن ولو استمرت في الحكم ربما كانت أنجح من غيرها.
           ولكي نتصور حجم المصيبة اقترح على الجميع مقارنة الشعور العام في ليبيا ليلة الإعلان عن حكومة السيد الكيب  بما حدث ليلة تقديم أبو شاقور لتشكيلته الأولى، عندها يتضح الإحباط العام الذي عم ليبيا وأدخلها النفق المظلم بالهجوم على مقر المؤتمر الوطني.
 فالسيد أبو شاقور لم يقدر الموقف ولم يراع حجم المسئولية الملقاة على عاتقه فالبلاد دخلت في أزمة من أول ليلة في تاريخ حكومته وكم كان بودي لو أنه شكل حكومة قوية ووطنية بامتياز ترضي مصالح الوطن في المرة الأولى وطلب الثقة جماعية من أول يوم أو الانسحاب بدلا من المناورة الفاشلة.
أما الحديث عن الضغوط السياسية من الكتل فهذا أمر متوقع فانتخاب أبو شاقور جاء بعملية قيصرية بامتياز وعادة ما يعقبها مشاكل خاصة إذا لم يسبقها تمهيد أو اتفاق، فعلى سبيل المثال اتصل بي أحد قيادات حزب العدالة والبناء ليلة التصويت على الجولة الثانية وابلغني بأنهم حاولوا الاتصال بالسيد أبوشاقور لمدة ثلاث ساعات بدون أن يرد عليهم أحد؛ وكأني بهم كانوا يبحثون عن أساس لاتفاق ووضعوا تحت ضغط الحدث أي القبول بالأمر الواقع وهو ما نسميه بالليبي "محاصلة"  ويمكننا تصور مشاعر حزب التحالف الوطني وبالتالي يقع اللوم على من يسيء تقدير المواقف وليس على من يستخدم قوته دفاعا عن مصالحه.
ومن الآخر السياسة هي لعبة البحث عن المصالح والتوافقات وأساسها الالتزام بما يتفق عليه الأطراف من خلال طرح صادق وواضح، أما السياسة القذرة فتبنى على المقالب والخداع وفي النهاية ينكشف أمرها وتذهب أدراج الرياح.
        وفي الختام يمكننا القول أن حكومة السيد أبو شاقور هبطت قبل أن تقلع، وتم سحب الثقة منها قبل أن تستلمها وهي بالتالي تعتبر أسرع حكومة منتخبة تحجب عنها الثقة في تاريخ الديمقراطية في ليبيا، والله ندعو أن لا يتكرر هذا في القريب العاجل وأن يستفيد الجميع من هذا الدرس.



1 comment:

  1. بالفعل ابو شاقور كم تمنيته لو شدها هو والتمثال محمد مرسي كان راح يديروا توائمه جسديه ووطنيه ههه

    ReplyDelete