الأسماء كلمات قد تحمل معان و قد لا تحمل معان و لكننا نطلقها على الأشياء لنميز بينها ثم تصبح معالم في حياتنا إذا شاع استخدامها و امتزج الاسم بالمسمى. و قد كرم الله سبحانه و تعالى الإنسان بنعمة العقل و بكرامة الخصوصية في التعريف ومعرفة الأسماء و إذا تطابقت أسماء الأفراد ذهبنا إلى أسماء الآباء و العائلات، و لا يحس الكثيرون منا بمعنى هذا الكلام لأننا تعودنا عليه و لو نظرنا إلى بقية المخلوقات لوجدناها في معظمها تحمل اسما دالا على النوع ككل و لا يخص فردها باسم خاص به. و قد وردت كلمة الأسماء في سورة البقرة في قوله تعالى" و علم آدم الأسماء كلها"، ففي بداية خلق الجنس البشرى عند ما خلق الله آدم و علمه أشرف درس في تاريخ البشرية أي علم آدم الأسماء كلها، لما كان و ما سيكون، فكل ما لدينا من معارف هو سابق في علم الله سبحانه و تعالى و نستلهمه من خلال هدايته عبر العصور.
الأسماء في اللغة
الاسم عند النحويين من أهل البصرة مشتق من السمو لأن السمو في اللغة هو العلو، و يقال: سما يسمو سموا إذا علا، و منه سميت السماء سماء لعلوها، و الاسم يعلو على المسمى و يدل على ما تحته من المعنى. و لذلك قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: الاسم ما دل على مسمى تحته، و هذا القول كاف في الاشتقاق فلما سما الاسم على مسماه و علا على ما تحته من معناه دل على أنه مشتق من السمو. و قد ورد هذا التعريف في كتاب "الإنصاف في مسائل الإخلاف بين النحويين البصريين و الكوفيين" للشيخ الإمام كمال الأنبارى، طبعة المكتبة العصرية بلبنان سنة 2003 م.
الأسماء عند العرب
كان من عادة العرب قديما تسمية أولادهم أسماء تحمل معاني الشدة و القوة ليدب الرعب و الخوف في قلوب أعدائهم، مثل اسم صخر و رعد و حرب و حيدرة. بينما كانوا يسمون خدمهم و عبيدهم أسماء رقيقة مثل جوهر و مرجان و ياقوت، فهم كانوا يسمون أولادهم لأعدائهم و يسمون خدمهم لأنفسهم. و من أشهر ما قالت العرب في الأسماء مقولة:" لكل امرئ من اسمه نصيب" فاسم محمد دائما يحمل في طياته البركة و بعض الأسماء تحمل في طياتها ملامح التعب و الضنك و الشقاء. فالاسم يشكل جانبا من شخصية الإنسان و يترك انطباعا عاما لدى كل الناس عليه، فهو دليل على صاحبه.
و لقد تعود الناس في بلادنا في السابق الاهتمام باختيار الأسماء، فكانوا يسمون بأسماء آبائهم و أجدادهم لحفظ ذكرهم في العائلة. و هذا العرف يساعد على التعرف على الأقرباء و التعرف على شجرة العائلة و فروعها فيتكرر نفس الاسم فيها. كما درجت العرب على اتخاذ اسم الابن كجزء من الكنية فينادون الرجل بأبي فلان أو أبى فلانة و المرأة بأم فلان أو أم فلانة. و كان اختيار الاسم في العادة من نصيب كبير العائلة مثل الجد أو الأب و لا يترك للنساء أو الأطفال.
الأسماء في الشريعة الإسلامية
لقد حضا الاسم في الشريعة بمكانة عالية جعلته أحد حقوق المولود على الوالد، فمن حق الطفل على والده أن يحسن اختيار أمه و أن يحسن اختيار اسمه و أن يذبح له عقيقه. و قد وردت أحاديث عديدة في هذا المعنى و منها قوله صلى الله عليه و سلم:" إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم و أسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم"، و قد أخرج هذا الحديث أبو داوود بإسناد حسن. كما قام الرسول صلى الله عليه و سلم بتغيير أسماء بعض الصحابة إذا كان معناها مخالف لهذا الحديث. و أشهر دليل على هذا هو ما حدث عند ما أنجبت سيدتنا فاطمة الزهراء أبنها الأول فاسماه سيدنا على حرب، فقال الرسول صلى الله عليه و سلم: بل حسن. ثم في ولدها الثاني الذي أسماه سيدنا على حرب، فقال الرسول صلى الله عليه و سلم: بل حسين. ثم أنجبت ولدها الثالث فأسماه والده حرب، فقال الرسول صلى الله عليه و سلم: بل محسن. و من هذا نرى تكرار اختيار الاسم الحسن في أسباط المصطفى صلى الله عليه و سلم، فنية سيدنا على رضي الله عنه كانت حربا على الكفار و المشركين و اختار رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم الحسن و الحسين و محسن من باب اختيار الاسم الحسن.
حق الإنسان في الاسم الحسن
من أهم حقوق الابن أو البنت على الوالد أن يختار لهم الاسم الحسن، فالأسماء الجميلة تحمل معان سامية و تبعث في النفس مشاعر جميلة و تفتح الطريق إلى قلوب الناس فتحضي بالقبول، تماما كما يفعل شذى الأزهار في نفوس المخلوقات فتسعى للاقتراب من الأزهار و تحبها. و في الكثير من الحالات قد يتسبب الاسم البشع أو الغريب أو الغير مناسب لزمانه أو مكانه في إزعاج صاحبه نتيجة لما يلاقيه من ازدراء و استخفاف أو سخرية به بين أقرانه فيحس بمرارة دائمة و كأنها وسم مؤلم محفور على جلده. و من سماحة الإسلام أن الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم قد استن لنا سنة تغيير الأسماء القبيحة و دعانا إلى اختيار أحسن الأسماء لأولادنا و بناتنا. و نلاحظ في زماننا هذا أن الأسماء تصبح لعبة في يد الأطفال أو الأقارب أو تسير حسب آخر المسلسلات، و نجد من يطلق أسماء لأشخاص لا أخلاق لهم على أبنائه و بناته أو من يستخدم أسماء كفار أو مشركين تحت عنوان الأصالة. بل يقع البعض في الخطأ لجهله بمعانيها و أذكر أنني رأيت طفلة أسمها "آنية" فقلت لأبيها أين وجدت هذا الاسم، فقال: خالتها أسمتها أسم من القرآن. فقلت له إن هذا الاسم يطلق على عين في جهنم تغلي يشرب منها الكفار و المنافقون و عليك تغيير هذا الاسم. و حسب القوانين المعمول بها عليه أن يحصل على قرار من المحكمة بالتعديل و ينشره في الجريدة كي يسرى العمل به. و الصحيح أن يستحدث نموذج تعديل أسم بقسم النفوس بالبلدية يمكن من خلاله تعديل الاسم أو اللقب ثم يدرج بعد اعتماده في جميع الأوراق الرسمية الخاصة به.
أما لقب العائلة أو القبيلة ففي كثير من الأحيان ينحت من أسماء بعض الأجداد و بالتالي يسرى حسن الاسم أو بشاعته على العائلة أو القبيلة. و في بعض الأحيان ينشأ اللقب عن عيب في الجد أو صفة سيئة فيه أو ازدراء به مثل الكثير من الأسماء الشائعة بيننا مثل عجاج أو خماج أو الجلد أو الأطرش أو الهصك أو العكروت و ما إليها مع احترامي لمن يحملها الآن. و قد نهانا الله سبحانه و تعالى عن التنابز بالألقاب حيث يقول في محكم كتابه:" و لا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان"، فما بالك باستخدام ما نهانا الله عنه في أسمائنا كل يوم. ربما يكون أجدادنا لم ينتبهوا إلى هذا في السابق و اضطروا للتسجيل في سجلات الدولة خوفا على مصالحهم، لكننا الآن نملك زمام أمرنا و يجب أن ننتبه إلى هذا الخطأ الفادح و نتوقف عن السخرية من بعضنا البعض و نتعامل بالاحترام اللائق. و في السابق قامت الدولة بإلغاء بعض الأسماء التي تحمل في معانيها رتب فخرية عثمانية توحى بطبقية شكلية، و من الأجدر بها أن تسن قانونا أو تضع إجراء يمكن الناس من تعديل الأسماء و الألقاب و توثيقها بشكل حسن يرضى كرامة الناس و يناسب هذا العصر.
الأسماء التجارية
أسماء المؤسسات و الشركات و المدارس و الجامعات و العلامات التجارية و الشعارات تحمل معالم عن الخدمة أو المنتج المعروض و يجب أن تتميز ببعض الألوان أو الأشكال التي تعلق بالذاكرة و تساعد على رواج السلعة و سهولة تذكرها. و في معظم دول العالم هي ملكية خاصة بمن ابتكرها و يتم اعتمادها و حمايتها و يجب أن تستوفى الشروط الفنية و اللغوية المطلوبة فيها في ذلك البلد، أما في البلاد المتخلفة فالحبل على الغارب و أسماء الشركات و المحلات التجارية قد تسيء في كثير من الأحيان إلى التراث و التاريخ لغياب أية رقابة على الموضوع. فمثلا تجد محلا لبيع السندوتشات اسمه سندوتشات عمر المختار أو عمر بن عبد العزيز، أو مطعم الخلفاء الراشدين أو قد تجد قصاب الشعب أو قصاب الثورة أو مقهى الصحابة أو سينما الفردوس أو ورشة شهداء الهانى أو مغسلة عبدو بدلا من مغسلة عبده. و الأمثلة على مثل هذا كثيرة جدا، فمتى ينتبه قسم الترخيص التجاري و يستعين بمن يفهم في اللغة و التاريخ و قيم المجتمع. أما أسماء المدارس و الجامعات فهي جزء من التاريخ العلمي و الوظيفي لمن مر بها، فكيف بنا نغير أسماء المدارس و الجامعات كما نغير ملابسنا، و الأصل في هذا الأمر أن نختار أسماء تحمل معاني جوهرية في تاريخنا و تراثنا لا نحتاج لتغييرها لأي سبب كان، فهي جزء من تاريخ البلد، فاعتبروا يا أولى الألباب.
فكرة التخلص من الاسماء التى في مضمونها التنابز وقلة الذوق فكرة متحضرة يبقي بعدها تنظيف الادمعة من رواسب التخلف الفكرى وهى اصعب واعقد . انت تعرض افكارا حضارية وجىدة يا دكتور فتحي فهل من مجىب ؟
ReplyDelete