لقد شرع الله سبحانه و تعالى رفع الآذان قبل كل صلاة ليدل على دخول وقتها، فينتبه الغافل و يصحو النائم و يستعد من ينوى الصلاة و ليتم المشغول ما بيده، هذا إذا كانوا يسمعون و يعقلون ما يسمعون . و الله سبحانه و تعالى شرعه في الحضر و السفر، و في المدينة و في البراري و جعل لمن يرفع الآذان الأجر و الثواب سواء لبى الناس ندائه أم لم يلبوا. و إذا كان هذا هو الحال في شأن أفضل دعوة ترفع على سطح الأرض، نداء كله تكبير و تهليل و شهادة بالحق و دعوة إلى خيري الدنيا و الآخرة فما بالك بدعوات البشر. الكثير من الكتاب و المفكرين و دعاة الإصلاح يحاول أن يبعث الأمل و ينادى بالإصلاح و يحارب التخلف و الجهل و يرسم الطريق لمستقبل أفضل. هذا العمل بطبيعة الحال يحتاج إلى جهد و صبر، و إلى معاناة ووقت له ثمن قيم في حياتهم، و هم في ذلك كله لا يرجون ثوابا من أحد، بل يقومون به تلبية لنداء الضمير الحي و حب الأمل و عشق الإسهام في صناعة المستقبل. و هم يعرفون جيدا أن دعوتهم سوف تجد من يسمعها و يعيها و لو بعد حين، فقليل هي الدعوات التي انتشرت و تحققت في جيل أصحابها، فهم يعرفون أنهم يغرسون الأمل للأجيال من بعدهم، تماما كما يحدث في الحياة فعندما تغرس نخلة أو شجرة زيتون قد تأكل منها و لكن خيرها سيفيد أجيالا عديدة من بعدك، و المثل يقول : غرسوا فأكلنا و نغرس فيأكلون، و يمكننا أن نقول: كتبوا فقرآنا و تعلمنا، و نكتب فيقرأ الآخرون و يتعلمون من بعدنا، و بهذا تنمو و تزدهر شجرة المعارف و العلوم و بذلك تزهو الحياة و تنمو و تتطور الدنيا. و كل كاتب قادر فاهم للأمور التي يتحدث فيها مطالب من الله قبل الناس أن لا يكتم ما علم و أن ينشر علمه ليفيد غيره و حكم هذا يقع في نطاق فرض العين الواجب الأداء. وبلاغة التعبير و جمال البيان نعمة من الله على العارف و زينة و كمال لعلمه، أما في حال الجاهل أو شبه المتعلم فإن الشجاعة الأدبية تتحول في كثير من الأحيان إلى قلة أدب مع الناس و تجروء على الله سبحانه و تعالى فمن أفتى بغير علم فقد نصب نفسه إلها مع الله، أي وقع في الكفر.
و نقرأ في كتاب الله الحكيم كيف أمر الله سبحانه و تعالى سيدنا إبراهيم أن ينادى بالحج في مكة و لم يكن فيها يومئذ موحد غيره هو و أهله في قوله:" و أذن في الناس بالحج...." فنبي الله إبراهيم عليه السلام لم يناقش الأمر و لم يفكر متى سيجيب الناس دعوته، فرفع النداء للحج و ها نحن نرى الملايين تلبى دعوته كل عام بعد آلاف السنين. فنحن نكتب لكل من يرى في كل زهرة تتفتح أمل في الحياة يبعث، و كل من يرى في بزوغ فجر كل يوم بداية عهد جديد واعد بمستقبل سعيد. لهذا علينا أن نرفع الآذان في كل وقت و حين ففي هذه الحياة دعاة واجبهم النداء بالدعوة إلى الحق.
و ليكن ندائنا ضد التخلف و أسباب التخلف.
ليكن ندائنا ضد الظلم السياسي الذي يسلب الإنسان حقه في تقرير مصيره،
و ضد الظلم الإقتصادى الذي يعتدي على ممتلكات الإنسان و يتحكم في حاجاته،
و ضد الظلم الاجتماعي الذي يؤسس لاستعباد الأحرار،
و ضد الظلم التشريعي الذي يزيف القوانين و يضيع جميع حقوق الإنسان،
و ضد روح التسلط و الاستبداد المعشعشة في صدور الكثيرين منا،
و ضد الأنانية و المواقف المصلحية المدمرة.
و يكفينا شرفا أن نكون مشاعل على طريق الحرية و طريق الخلاص و الإنعتاق النهائي لشعوبنا. يكفينا شرفا أن نكون شموعا على الطريق نبعث الأمل في الحياة بين بني الإنسان. فلنرفع الآذان مخلصين لوجه الله تعالى من أجل الأطفال ومن أجل الفقراء ومن أجل المستضعفين و المستضعفات ومن أجل المحرومين و المحرومات في كل مكان من وطننا الكبير.
و لو تأملنا قليلا في ما يجب على من يسمع الآذان و يعيه نجد أن الرسول صلى الله عليه و سلم يؤمرنا بان نردد ما يقول، و هذا أمر لنا بالتفاعل الإيجابي مع ما نسمع و نعقل فنشارك بالرأي الهادف و النقد البناء. و في موقف آخر يطالبنا الرسول صلى الله عليه و سلم بتبليغ ما نسمع و نعى عند ما يقول ربَ سامع أوعى من مبلغ. فالأفكار كالغيث تفيد إذا نزلت في أرض خصبة أما إذا نزلت على الجبال الصخرية المتحجرة فيتركها الماء و يهبط للسهول السهلة المتعطشة للخير، و كذلك قد ينزل الغيث في بحر أجاج فلا يفيد كثيرا، و لكن الله سبحانه و تعالى جعل في نزول الغيث رحمة و بركة أين ما نزل. و كم من سامع للأذان أتقى من المؤذن أو اقرآ منه للقرآن أو أفضل منه فقها أو أكثر خيرا و نفعا و عملا و في كل خير. و الله سبحانه و تعالى يقول في محكم كتابه:" و العصر، إنَ الإنسان لفي خسرٍ، إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات، و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر" و كلمة تواصوا تفيد الاستمرارية و التفاعلية فالجميع مطالب بالتواصي بالحق و بالصبر، و تكرار هذه الكلمة في السورة يدل على أهمية المعنى منها و الهدف المطلوب من ورائها. و كل منا مسئول و مطالب عن الأمانة التي تركها رسول الله صلى الله عليه و سلم في أعناقنا عند ما قال في خطبة الوداع: فليبلغ الشاهد منكم الغائب، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.
السلام عليكم د. فتحي.
ReplyDeleteمعك أخوك موسى الجالي من مانشستر، أسئل الله أن تكونوا بخير وأهلكم في ليبيا العزيزة.
أنا متابع لمقالاتك ونشكرك عليها ومزيد من العطاء.
من ضمن نشاطاتي هنا، الاشراف على النشرة اليومية على موقع المدونة الخاصة بنا تحت مظلة واسم:
المركز الاعلامي للرقيب ليبيا- بريطانيا
http://libyawatchmediacentre.blogspot.com/
وهذه وسائل الاتصال بنا:
Email: libya.watch.media@gmail.com,
Tel: 00447707664004,
Facebook: Libya Watch Media Centre
أخوكم المخلص: موسى الجالي العبدلي