يعتبر موضوع المعاملات المالية والاقتصاد من أهم المعضلات التي تواجه تنمية العالم الأسلامي في ظل سيطرة بقية العالم علي تسيير وتقنين الحركه الاقتصادية في العالم . و قد عرف المسلمون في عصور النهضه الاسلاميه الأولي نقدا يستخدم الذهب والفضه وبالتالي حدثت التنميه في ظروف قانونيه ثابته تحرم الفائدة لثبات قيمة النقد؛ و أما الان فالعملة ورقيه وهي في كل يوم في شأن ، فمثلا لو أقرضت أحدا الناس مئه ألف وحدة نقدية علي أن يعيدها لك بعد عشرة سنوات عند ذلك ربما تكون قيمتها قريبة من نصف القيمة الاْصليه في السوق من حيث القوة الشرائيه. وأنا هنا لاأريد أن تجرأ علي الفتوي لْأن هذا ليس مجالي؛ ولكنني أرى أن نأخذ بمبدأ الاجتهاد الواسع فى ظل المعاملات المالية الجديدة و المختلفة فى كثير من الأحيان عن صور التعامل القديمة فأن نصوص قديمه جامدة لاتصلح لاْمور عصرية ومتطورة وعلي أهل الاختصاص أن يفتوا بما يحل الاشكال وألا يتهربوا بالالتفاف حول الموضوع بأراء قديمة والله أعلم .
في هذا الموضوع أطلعت علي كتاب في الفقه الاسلامي يتناول الاقتصاد والمعاملات المالية للاستاذ الدكتور السايح علي حسين و الذى كان رئيسا لقسم الدراسات القرآنيه بكلية الدعوة الاسلامية بطرابلس. ولقد شد إنتباهي فى هذا الكتاب الالمام الواضح الذي برز من خلال الطرح و تناول الأمر ،علما بأن هذا الكتاب هو كتاب منهجي يدرس بالكليه، والأهم من هذا كله أعجبتني شجاعه الكاتب في طرح حلول تهرب منها كثير من العلماء خوفا من الوقوع في الانتقاد وهذا دليل علي تمكن الكاتب من الموضوع الذي يتحدث عنه .
فمثلا في باب المعاملات المصرفية طرح جميع الاْراء الموجودة في الكتب السابقة ثم طرح الحل والذي أنقله حرفيا لكم في الفقرة التالية .
ماهو الحل :
قد يقول قائل ان البحث بهذه الطريقة أدخل القاريْ في متاهة يصعب الخروج منها‘ وكان الاْولي هو اختيار أقرب الاْراء الي الصواب والاكتفاء به بدلا من هذا الاستعراض الطويل لوجهات النظر المتضاربة .
ولكني أذكُر بأنني لا أبحث عن فتوي ولكنني أعود الطلاب علي البحث والاستقصاء والاختيار بعد العلم بوجهات النظر المختلفة، وهذا مايجعل الاختيار اجتهادا مبنيا علي علم، وللقاريْ أن يعمل بما اطمأن له قلبه .
أما أنا فانني أستطيع أن أقرر باطمئنان، أنني أختار من هذا العرض الواسع مايلي:
1) الربا الذي حرمه القران الكريم تحريم مقاصد هو الربا الاستهلاكي، بدليل مقابلته في الاية بانظار المعسر والتصدق علي المحتاج وهذا لا يتصور الا في القرض الاستهلاكي ، وهذا لايجوز الاقدام عليه من المقرض بحال من الاحوال، وأما المقترض فيجوز له أخذه في حالة الضرورة واذا سدت سبل التعامل الجائز، والضرورة للفرد متروكة لضمير المؤمن ككل الضرورات التي يرتفع فيها الحرج .
2) ربا الفضل خاص بالمقايضة في البيوع، وهو نوع من التعامل الذي قد انتهي أو كاد، فان وجد لسبب من الاسباب فمن الورع الأخذ بالأحوط سدا للذريعة ومن أتقي الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه.
أما القرض الذي جر نفعا فلم يثبت فيه نص يعتمد عليه، ومنعه الفقهاء اجتهادا و سدا لذريعة الاقتراض من أجل هذا النفع، ومن الخير عدم اللجوء إليه إلا للضرورة الملحة لإن اجتهاد الفقهاء فيه معقول .
3) الضرورة بالنسبة للإفراد موكولة لضمير المؤمن وتقديره وبالنسبة لضرورة الامة يقدرها أهل الخبرة والاختصاص .
4) في حالة استثمار المسلم لاْمواله يمكن وضع ماله في مصرف ببلد مسلم ويعتبره وكيلا عنه يدير هذا المال بالطريقة التي يراها مقابل نسبة يتفق عليها، وهذا أضمن لمال المودع من الضياع، وما يأخذه المودع قد يعوض له مايصيب النقود من تضخم من جهة ويمكن الدولة الاستفادة من مدخرات المواطنين من جهة ثانية .
5) مصلحة الأمة المسلمة تقتضي تشجيع أصحاب الأموال علي تسخيرها لصالح خدمة البلد بضمان الدولة لرأس المال، وتشجيع أصحابها بعائد متفق عليه بدلا من اللجوء الي الاقتراض من المصارف ألاجنبية وجعل الوطن رهينة في الديون .
6) المضاربة التي يصر عليها شيوخنا الأجلاء لا ننازع في صحتها لاْن الرسول صلي الله عليه وسلم قد أقرها، ولكننا نشك في صلاحيتها، بشروطها التي وضعها الفقهاء لكل عصر من العصور ويجب علي رجال الاقتصاد البحث عن صور من التعامل تتحقق فيها مسايرة التطور وتنهض بالعالم الاسلامي من التخلف والجمود فدور الاقتصاديين هو تنمية الاقتصاد بالبحث عن أجدي الوسائل والاستفادة من تجارب الذين سبقونا في هذا الميدان ويجب أن يقتصر دور الفقهاء علي عرض ماتوصل اليه الاقتصاديين علي نصوص الكتاب والسنة وليس بإخضاع عصرنا لما كان معمولا به باجتهاد الفقهاء علي عصر سابق .
من خلال ماتقدم عرضه حرفيا من كلام الدكتور السايح وددت لو أن الكاتب سمي كتابه زبدة الزاد في أحكام المعاملات المالية وعلوم الاقتصاد، وأدعو كل المهتمين بشؤون الاقتصاد الاسلامي الى الاطلاع علي هذا الانتاج القيم من أحد أبناء مسلاته و ليبيا، وسوف أخص هذا العالم بمقال عن سيرته وأعماله العلميه قريبا ان شاء الله من باب نشر العلم والاحتفاء بالعلماء من أبناء ليبيا.
و لكننى أحب هنا أن أسجل اعجابى بهذا الشيخ لعدة أسباب، أولها أنه كان مداوما على طلب العلم الى آخر حياته حيث أتم الدراسات العليا فى سن متأخرة. و ثانيها أنه كان يستخدم الحاسوب فى اعداد كتبه و يستخدم النت و المكتبات الالكترونية و هو فى السبعينيات من العمر و عندما سألته: كيف حصل هذا؟ قال لى: عندما دخلت أجهزة صخر للبلاد عرفت أن الوقت قد حان لدخول عصر الاطلاع الالكترونى بالنسبة لى. و أما الثالثة فكانت فى جمال مجلسه داخل مكتبته و التى تحوى عشرات الآلاف من الكتب و تواضعه و حسن استقباله لى بدون سابق معرفة بيننا و كان دافعى الوحيد للزيارة هو زيارة أهل العلم و أهل الخير فى بلدى.
No comments:
Post a Comment