اطلعت على مقالة الاستاذ رمضان جربوع بعنوان: هل من سبيل للخروج من التخلف؟ ، وفى الحقيقة كلنا ندندن حول هذا الأمر و لكن بدرجات متفاوتة . البعض قد يفقد الأمل و البعض الآخر متفائل ، و لكن علمتنا الحياة أن من جد وجد و من زرع حصد ، و ما ضاع حق وراءه مطالب ، و هذا حقنا الطبيعى فى الحياة . ولقد دفع اجدادنا الثمن مضاعفا من اجل ان تحيا أمتنا بكرامة . وأنا هنا لا أرد على هذه المقالة و لكننى أحاول إثراء الموضوع من زوايا أخرى ؛ فمع ايمانى الراسخ بأننا كل يوم نسير فى الاتجاه الصحيح ، لكن الأمة لن تنهض جزئيا ، بل يجب أن تنهض بكامل قدراتها لكى يكتب لها الاستمرارية . و مثلما ينهض الانسان من على الأرض دون ان يترك شيئا من اطرافه عليها ، فعلى الأمة أن تنهض بكامل مكوناتها الا الزوائد البالية . و أول خطوة فى هذه العملية هى الانتباه الى حالة التخلف ، ثم العمل على النهوض و بعد ذلك يحصل التقدم اذا حققنا الشروط اللازمة لحدوثه . و سوف نتعرض فى هذه المقالة لبعض معالم هذه الشروط و لو اعدنا صياغة السؤال: هل يمكن لنا أن نتقدم ؟ . فالاجابة ستكون : بالتأكيد و لكن .
بالتأكيد سوف نتقدم عندما ينهض المواطن كل صباح ، و هو يعلم أنه مهم و أن له قيمة فى بلده و ان دوره فى البناء لا غنى عنه مهما كان عمله ، و بالتالى عليه أن يؤدى واجبه كما ينبغى و لايأخذ الا حقه و يحرص على أن يعلم اولاده الاخلاص فى العمل و الصدق فى القول و الأمانة فى التعامل مع الناس .
بالتأكيد سوف نتقدم عندما يشعر كل معلم و معلمة أن تلاميذهم مثل ابنائهم فيحرصون على تعليمهم و على تربيتهم و يغرسون فى نفوسهم حب الوطن و الاخلاص فى أى عمل يقومون به ، ومنها الأمانة فى اداء الواجبات و الصدق فى التعامل مع الزملاء فى المدرسة و فى المجتمع ككل .
بالتأكيد سوف نتقدم اذا تم اختيار المسؤولين من خيار الناس ، بحيث يصبح الرجل المناسب فى المكان المناسب ، و بالتالى يصبح الوزير أمينا على المهنة الموكلة له و ليس مجرد كبير موظفين ، فيكون أمينا فى مسلكه و أمينا فى خلقه و أمينا على أموال المجتمع ، و أمينا على أعراض الناس من العاملين و العاملات معه و أمينا على مستقبل المهنة .
بالتأكيد سوف نتقدم اذا أيقن الشرطى أنه يخدم مجتمعا من المواطنين الأفاضل ، و ليس مجتمعا من الكلاب و اللصوص و السماسرة أو الحقراء ، عندها سيحترم الشرطى أى مواطن يقف أمامه فقد يكون صهره فى المستقبل أو نسبا لابنه أو أخيه . عندها يكون رجل الأمن معتزا بعمله ، و يقدر كل مواطن دور الشرطى فى المجتمع بغض النظر عن شكله أو أصله أو رتبته أو تخصصه ، فالمهم هو الدور الذى يؤديه لحماية الأبرياء و التأكيد على مبادىء العدالة و المساواة فى المجتمع .
بالتأكيد سوف نتقدم اذا حرص كل استاذ جامعى على اتقان تخصصه مثل حرصه على استيعاب التلاميذ له و اذا شعر أن كل تلميذ أو تلميذة امامه هو مشروع عالم من علماء المستقبل فيساهم فى بنائه و لا يكون سببا فى تحطيمه . فالجامعات هى مصانع العلماء و محاضن التقنية و البحث العلمى و تطوير قدرات المجتمع .
بالتأكيد سوف نتقدم اذا شعر كل متخصص أو اخصائى فى أى علم أو مهنة أنه أمين على هذه الصنعة ، أى أمينا على المهنة فيحرص على أداء واجبه على أحسن وجه محافظة على شرف المهنة و فوق كل الحسابات المادية . فالأمانة المهنية و الاتقان المهنى هما طريقنا لبعث و تطوير التقنيات الملائمة لنا .
بالتأكيد سوف نتقدم إذا حرص إمام المسجد على حضور الجميع فى جميع الصلوات ، و اذا عمل من أجل هذا فالأبتلاء و التخلف دائما ما تزرعه الذنوب . فلا أمانة لمن لا دين له ، و لا دين لمن لا إيمان له ، و لا إيمان لمن لا يؤدى الصلوات ، والصلاة هى صلة بين العبد و ربه كما تعلمون .
بالتأكيد سوف نتقدم اذا كان الأجر الذى يتقضاه كل عامل عن عمله عادلا و يتناسب مع جهده ؛ و الأهم من هذا كله أن هذا الأجر يوفر له و لمن يعول حياة كريمة . فالكرامة هى اساس الأنتماء و لا كرامة لمن يحتاج لمساعدة الآخرين الذين يساهم معهم فى البناء ، و لا كرامة مع استغلال جهد و عرق الناس بغير حق .
بالتأكيد سوف نتقدم اذا كان أمرنا شورى بيننا و ليس شورى بينهم ، بمعنى أن تكون السلطة للشعب و ليس لمن ينوب عنه أو يغيبه ، ثم بعد ذلك يتوارثون الكراسى و يزدادون كل عام غنىً و فحشا و المواطن يزداد فقرا و جوعا . إن المشاركة السياسية الفاعلة لكل فئات المجتمع لخير معين على اتخاذ القرارات السليمة و تحمل المسئولية فى محاسبة المقصرين .
بالتأكيد سوف نتقدم اذا شعر كل مواطن أن وقته ثمين بالنسبة للجميع ، فكل لحظة عمل تضيع تساهم فى تأخرنا عن ركب الشعوب الأخرى . فالوقت فى العالم المتقدم يعنى انجازات و يعنى قيمة مالية و قيمة معنوية و قيمة اجتماعية و له مردود عندما نستفيد منه سواء فى الانتاج أو الاستجمام أو ممارسة الرياضة .
بالتأكيد سوف نتقدم اذا سخرنا التمايز بيننا من أجل الصالح العام ، فكل منا يساهم حسب قدرته و حسب امكانياته ، فلا وساطة و لا محسوبية و لا قبلية و لا حزبية و لا سياسة عند التكليف . و الكفاءة وحدها يجب ان تكون المعيار فى اختيار الناس للأعمال و ليس الولاء .
بالتأكيد سوف نتقدم عندما تقول كل زوجة لزوجها و كل أم لأبنها كن رجلا كل لحظة فى حياتك ، و كن عنوانا للأنسانية و الشهامة فرزقك على الله سبحانه و تعالى و حياتك بيد الله سبحانه و تعالى وحده . و عندها تزرع القيم الانسانية السامية ألا و هى الحرية و العدالة و المساواة فى المجتمع .
بالتأكيد سوف نتقدم اذا قرر كل قارىء و قارئة لهذه المقالة أن يتخذ القرار السليم فى ترك السلبية القاتلة و أن يشارك المشاركة الأيجابية المبنية على الأمل فى المستقبل و قبول الرأى الآخر و نبذ الأقصاء و التهميش اللذين يعبران عن التخلف و الحقد الدفين . و اذا لم نساهم جميعا فى دفع عجلة التقدم الى الأمام سنكون فى صف أعداء هذه الأمة و المتآمرين عليها فى الداخل و الخارج .
إن الله سبحانه و تعالى قد جعل فى هذا الكون نواميسا للتقدم من أخذ بأسبابها وصل و من تركها تخلف ، و الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . و بناء التقدم يحتاج الى فن و ذوق و أخلاق ، فالفن هنا يأتى بمعنى الأتقان أو التقانة أو التقنية المبنية على العلم . أما الذوق فيعنى منهاج التعامل مع الآخرين الذى تؤسسه برامج التربية و الأخلاق التي تعنى مجموعة القوانين و الأعراف التى تنظم علاقات المجتمع من خلال شريعة سماوية أو دستور عادل . و كل منا له دورفى البناء اذا تخلف عنه كان مساهما فى استمرار التخلف .
No comments:
Post a Comment