كنا في ندوة مفتوحة عن جوانب من حياة الشيخ أحمد زروق ومساهماته العلمية في مجالات العلوم الدينية، وبينما نحن خارجون من القاعة اقترب مني أحد الزملاء وهو أستاذ جامعى ليبى وسألني : كيف يستطيع المرء أن يكتب مقالا شيقا؟ وهو يقصد بالطبع باللغة العربية وفي مجالات الأدب والحياة، فقلت له الإجابة عن هذا السؤال تطول وهي تبدأ من الصف الأول الابتدائي. بعد أن افترقنا بدأت أراجع نفسي في الطريق لعلى قسوت فى الاجابة، وبدأت أتذكر بداية تجربتي مع الكتابة ووصف الأحداث مما دفعني لكتابة هذا المقال لعله يساهم في بلورة الفكرة لعدد من المهتمين بالكتابة من الشباب.
بعدما تركت صاحبنا تذكرت أول تحد في حياتي في مجال الرواية عندما كنت في الصف الأول الابتدائي بمدرسة بوزيد عند مدخل سوق الظلام في مدينة درنة وكان معلمنا هو الأستاذ محمد بو ماضي رحمه الله. ففي الأشهر الأولى من العام حكى لنا المعلم قصة سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل بمناسبة حلول عيد الأضحى ثم بعد أن انتهى من الحكاية قال من يستطيع أن يعيد ما قلت ويحكي لنا قصة إسماعيل وأبيه. كان الفصل مزدحما بالتلاميذ وأذكر أن بعضهم كان له شارب أي شنب وكنت من أصغر التلاميذ سنا فرفعت يدي وأعدت القصة على مسامع الجميع ولا أذكر كم كانت نسبة نجاحي فيها ولكن المعلم أهداني كراسة حساب لازلت أذكر تفاصيلها كأحد أجمل ما تلقيت في حياتي من جوائز.
ثم توالت الأيام مع تقدمي في الصفوف الدراسية حيث كنت دائما أكتب مواضيع الإنشاء بشكل ينال إعجاب المدرسين خاصة بعد الصف الثالث الابتدائي ومنذ الصف الرابع الابتدائي كنت أكتب الرسائل لأفراد الأسرة.
بالتوازي مع نمو القدرة على الكتابة زادت رغبتي في القراءة فصرت أبحث عن أي كتاب وكثيرا ما ذهبت إلى صالة المركز الثقافي البريطاني أو المكتبة العامة بمدينة درنة. وقد زاد في رغبتي واهتمامي التشجيع الذي وجدته وكذلك التمكين من فنون اللغة العربية من خلال مجموعة من أكفأ المدرسين ومنهم الأستاذ مصطفى الطرابلسي و الأستاذ عوض دربي و الأستاذ عبدالكريم فنوش، ثم في المرحلة الثانوية أكرمنا الله بمجموعة من المدرسين المصريين في كل المجالات وخاصة مجال اللغة العربية والتربية الدينية ومن بينهم الأستاذ عبدالحليم أبوزيد والذي كان كاتبا في المجلات المصرية ونشر كتابا أو كتابين. ولا زلت أكن له مكانة خاصة فهو الذي شجعني على الكتابة وأذكر ذات مرة أنه طلب منا كتابة موضوع إنشاء عن فصل الربيع . فكتبت موضوعا أثريته ببعض الأمثال الشعبية الليبية عن الربيع والمطر ومواسم الخير فأعجب به أيما إعجاب وأخذه ليطلع عليه طلاب القسم الأدبي.
وأنا هنا عندما أسرد هذا الحديث أركز على أهمية دور المعلم في بناء وتنمية مواهب التلميذ وكذلك دور الدعم والتشجيع للمبادرات الشابة والمثل يقول أول الغيث قطرة. أيام طفولتنا وشبابنا لم تتوفر لنا شبكة المعلومات أو المجلات كما هو الآن وأقصى ما يمكن أن نصل إليه هو جريدة حائطية نعدها بأنفسنا وربما نتوقف قبل أن تصل إلى مكانها على الجدار لصعوبة إعدادها وعدم توفر ما نحتاجه لها.
ثم أتيحت لى زيارة سوريا و لبنان سنة 1967م و كانت الكتب رخيصة جدا فاستطعت تكوين حصيلة طيبة من الكتب لمشاهير الأدباء على المستوى العالمى أمثال تولستوى و همنقواى و هيقو و العقاد و طه حسين و جبران و المنفلوطى. و بعد ذلك فى المرحلة الجامعية كنت أحرص على قراءة كل عدد لمجلات الصياد و الحوادث و الاسبوع العربى بانتظام بالاضافة الى الكتب الاسلامية و الثقافية المختلفة.
ويمكن القول إن أهم عناصر فن الكتابة بعد الموهبة تشمل الآتي:
1- الإلمام الجيد بقواعد اللغة العربية.
2- توفر حصيلة جيدة من المفردات وأساليب التحسين في العرض.
3- كثرة القراءة فهي تساعد على بلورة الأفكار وتطوير أسلوب الكتابة وتثرى الرصيد المعرفى.
4- قوة الملاحظة وهى تساعد على دقة الوصف.
5- القدرة على الاستذكار فالنسيان يعمل عمل النار في الحطب فلا تبقى معه فكرة، أما التدوين فهوخير وسيلة لحفظ الفكرة.
6- إثراء الموضوع بالأقوال والأمثال الشعبية أو أبيات الشعر أو الحكم المأثورة ما أمكن ذلك، فهذه لها وقع السحر في نفوس القراء و تعطى إمتدادا تاريخيا للفكرة.
7- حصر الأفكار وعناصر الموضوع الرئيسية قبل التوسع في الكتابة لكي يكون المتن متناسقا ومترابطا ومتسلسلا منطقيا وتاريخيا.
8- دعم المقال بالأشكال والمخطوطات والصور ذات العلاقة فيزداد ثراءا ويزداد العرض جمالا وعمقا.
9 - تقبل الانتقاد بصدر رحب مهما كان ظالما أو قاسيا فالمهم هو طرح الأفكار أما نيل رضا الجميع فهو من المستحيلات، و تجنب الرد على المجهول.
10 - الصدق والاعتماد على النفس والابتعاد عن الاقتباس، فاقتباس الأفكار هو نوع من أنواع السرقة وهي سرقة الملكية الفكرية.
11- الاستئناس برأي بعض ممن له الخبرة من حيث المراجعة اللغوية ونقد موضوع المقال نفسه.
12- إعطاء الموضوع حقه من الوقت فبعض المقالات لا تتم إلا بعد فترة من الزمن عندما تنضج في ذهن كاتبها.
13- تسخير التقنيات الرقمية من الحاسوب إلى شبكة المعلومات و آلات التصوير الرقمى لتوسيع دوائر الاطلاع ودعم الجوانب الفنية و تيسير الكتابة.
14- المحافظة على الصور و المقالات القديمة و الكتب و المجلات فمع مرور الزمن تزداد قيمتها المعرفية.
15- الاعتزاز بالمساهمات الشخصية من خلال استخدام الاسم الحقيقى، فرأى المرء جزء لا يتجزأ من شخصيته و لن نتقدم بحوار الاشباح.
ومن حيث المبدأ الكتابة يجب أن يكون لها هدف سامى، و حكمها مثل حكم الحديث فمن كان يؤمن بالله و اليوم الاخر فليكتب خيرا يفيد الناس و ينفعهم أو فليمسك عن ذلك. و إذا كان فى بعض الكلام الشفهى إيذاء للناس فان المكتوب منه يتسع أذاه و يستمر مع الايام. و إذا كان الكلام مجهول المصدر و يقدح فى أعراض الناس أو يبث القطيعة فان ناشره يقع عليه اثم النميمة أو الفتنة فهو يؤدى الى نشر العداوة و البغضاء بين الناس. و علينا جميعا ان نتذكر الخط الفاصل بين الحرية و الاباحية.
كانت هذه خلاصة سريعة لتجربتي علما بأنني لست من المتخصصين في علوم اللغة العربية أو البلاغة ولكنني أؤمن بأهمية نشر الأفكار وتبادل الآراء لقناعتي بدور الوعي الثقافي في النهضة لأي شعب من الشعوب، و ما أحوجنا لاثراء الوعى العام و بناء الجسور بين الاجيال و بين أفهام الناس فى الجيل الواحد.
No comments:
Post a Comment