بعض الكلمات تموت و تنتهى امام قائلها و بعضها يبقى بعد صاحبه، كثير من الكلمات تذهب ادراج الرياح أو تمشى مع الريح كما يقول المثل و هى التى لا تملك مقومات الاستمرارية، و بعض الكلمات تشتغل بها الألسن و الاذان فتنتشر بين الناس. كما أن بعض منها يصبح مما يتعبد به الناس كما هو حال الاحداث المذكورة فى القرآن الكريم. كذلك فأن بعضها يدخل ضمن دساتير الشعوب، وأخرى تصبح أمثالا و حكم و هى التى تحمل معانيا عابرة للزمان و المكان مثل ما وصل الينا من أقوال العرب.
و نحن هنا بصدد كلمات ليبية متقاطعة حول مفاهيم شعبية ليبية تجسد ثقافة و مواقف و أحاسيس و أراء نعيشها و كثيرا ما نعجز عن وصفها.
اللى يقتلوا ماتوا
بعد تأسيس أول حكومة ليبية أيام الاستقلال الأولى، خرج أحد الوزراء من بيته صباحا ذاهبا لعمله، فوجد أحد أفراد البوليس من قوة دفاع طرابلس أمام البيت. سأل الوزير البوليس : ماذا تفعل هنا؟ فأجابه: احرس بيتك . فقال له من بعثك؟ قال: آمر قوة دفاع طرابلس .قال له الوزير: اذهب لآمرك و قل له لا أحتاج الى حراس ، اللى يقتلوا ماتوا و الا كيف وصلنا أنا و هو للحكومة. .
مرحب بالجنة جت تدنى
فى أحدى المعارك ضاق الحال بالمجاهدين فى الجبل الاخضر أمام أحد الحصون الايطالية . لم يستطع المجاهدون اختراق الحصن فما كان من أحد المجاهدين و هو من قبيلة البراعصة الا أن أغار بحصانه و قفز فى الحصن و هو يقول" مرحب بالجنة جت تدنى" . أستشهد هذا المجاهد البطل و سقط الحصن فى أيدى المجاهدين و سوف تبقى كلماته مدوية فى ربوع الجبل الاخضر الى ان يلقى الله .
التلتال ما يوفاش
فى زمن الطليان قدم أحد طلاب العلم من فزان الى طرابلس لطلب العلم و فى نفس الوقت كان يعمل فى المزارع لتغطية نفقات اقامته. فى الصباح كان عادة ما يدعو :اللهم اجعلنى كافر و لا تجعلنى تلتال، و يقولها بأعلى صوته، فسأله احد أبناء طرابلس يا سيدى الشيخ : الكفر مقام صعب فكيف تطلبه؟
فرد عليه الفقى : الكافر ينطق بالشهادة فيدخل فى الاسلام ، أما التلتال تمشى لولده و ولد ولده ، يا ولدى التلتال ما يوفاش .
لو كان ذل راهو روح
فى احدى المعارك مع الطليان سقط عدد كبير من الشهداء و عاد البعض من المعركة. و كان الناس بعد هذه المعركة يتساءلون عن اخبار المجاهدين الذين شاركوا فيها، فما كان من أخت احدهم عند ابلاغها بخبر استشهاد أخيها الا أن قالت :
ما دار سو لو كان ذل راهو روح، و أخذت تولول بالزغاريد .
الصبر دبر حمير القزة
فى يوم شديد حره وقف الناس فى الشمس فى طابور أمام احدى الجمعيات الاستهلاكية انتظارا للحصول على حاجاتهم و بدأ التعب يأخذ طريقه اليهم و اخذوا يتململون . فما كان من أحدهم الا أن قال : الصبرطيب يا جماعة الخير . فرد عليه أحدهم : الصبر دبر حمير القزة .
و حمير القزة أكرمكم الله ، هى حمير تستعمل لنقل الرمل و القزة من البحر الى مواقع بيعه على الطريق العام . و ذلك فى زنابيل خشنة توضع على ظهورها مباشرة و تكون مبتلة بماء البحر . و من كثرة الاحمال و قسوة الزنبيل و ملوحة ماء البحر تظهر فى ظهر الحمار دبرة حمراء دامية كثيرا ما يستخدمها مالكه القاسى لاستعجاله و ذلك بوخزه فيها .
لوكان نادت و أنت راقد
بعد عصر أحد الأيام جلست الاسرة حول الجد، و هم يحتسون الشاى على الطريقة الليبية. و فى تلك الفترة من العام كان الناس يستعدون للحج، فما كان من أحد الاحفاد الا أن سأل جده : لماذا لا تذهب للحج يا جدى؟. فرد عليه الجد : ما زالت ما نادت ، أى ان الحج يناديه. فقال له حفيده : لو كان نادت وانت راقد يا جدى . عندها تذكر الجد الموت ، فجلس و قال لهم : اذهبوا لتسجيلى غدا فلعل العمر لن يسمح فى العام القادم .
طق الفساد فالذيل و الا ما زال
مر الشاعر أحمد رفيق المهدوى فى الخمسينيات من القرن الماضى على سوق الحوت فى بنغازى ذات يوم لشراء السمك. وهو يتفقد السمك أخذ سمكة و بدأ يشم رائحة ذيلها فقال له البائع : يا أستاذ أحمد الناس يفحصو الراس موش الذيل. فرد عليه الاستاذ أحمد: أنا عارف الراس فاسد ، لكن نبى نعرف طق الفساد فالذيل و الا ما زال.
أمك ما عاد تجيبك
بعد معركة الكفرة الشهيرة حيث دمر الايطاليون العديد من المبانى و المزارع و قتلوا المئات من الليبيين، حاول كل من الناس انقاذ ما يمكن انقاذه. و فى مسعى احد أبناء الكفرة من الزويات للخروج من ارض المعركة و الذهاب الى اجدابيا و جد بين الجرحى أخيه و أبنه و هو لا يستطيع الا حمل أحدهما. فما كان منه الا أن ترك أبنه و أخذ أخاه، فصاح به اخيه خوذ الولد، خوذ الولد، فرد عليه قائلا: أمك ما عاد تجيبك أما هو أمه تجيبه. و ترك أبنه و أنقذ أخاه فى لحظة يختلط فيها الحزن بالفرح و الألم بالأمل، كم كان الرجال رجال فى ظل الظروف المستحيلة.
كانت هذه اللحظات محفورة فى ذاكرة الليبى على امتداد الارض الليبية فأردت ان أسجلها للتاريخ و أن أزفها لاجيال المستقبل كى تعرف العمق التاريخى و الشعبى لما تراه من أحداث و لكى لاتنسى الماضى حلوه و مره
No comments:
Post a Comment