Thursday, December 9, 2010

معالم التخلف......

           التخلف هو الحال الناتج عن انعدام التقدم و هو بالتالى مخالف لنواميس الحضارة ، فالحضارة تنجم عن تواصل خطوات التقدم  ألا و هى تحسين و تطوير مختلف مناشط الحياة . و منذ أن قرأت كتاب مشكلات الحضارة للمفكر الجزائرى مالك بن نبى فى السبعينيات و هذه الأفكار تراودنى و ربما حان الوقت لطرحها ، فمعرفة معالم التخلف هى جزء من عملية تشخيص الحالة .
تقديس التخلف
عندما يستشرى التخلف بأى مجتمع يستمرأ الناس التخلف و يتعودون عليه، بل و يبدأون فى الاحتفاء ببعض مظاهره على أنها قيم اجتماعية و تقاليد و فنون شعبية. و يبرز بعض الكتاب و الشعراء من تجار الكلام لاضفاء هالة من القدسية و المشروعية للتخلف و أزلامه و رموزه، بل و تعقد ندوات و سهرات فنية لاحياء معالمه و التطبيل لرموزه، و حسب مقولة كل دولة و لها رجال و كذلك التخلف فله رجال. و الحل فى رأيى يكمن فى تعرية التخلف و رجاله و توضيح دوره فى تدمير الأمم و تهيئتها لقبول هيمنة الشعوب الأخرى عليها، و لا يوجد أنجع من نشر العلم و المعرفة فى مقاومة التخلف.
مقاومة التقدم
و اذا استمرأ الناس التخلف يصبح التقدم عدوا لهم فالناس أعداء لما جهلوا و بالتالى تبدا مقاومة التقدم بحجج كثيرة بينها الحفاظ على الموروثات و محاربة البدع المستحدثة من أفكار و مبادىء فى الحرية و الديموقراطية و حقوق الانسان و قد يصل الأمر فى بعض الحالات الى تكفير من يدعو للتقدم. و المقاومة تستشرى حتى بين أبناء الجيل الواحد أو الأسرة الواحدة و ذلك لاختلاف المشارب. و لكى يحدث التقدم فعلا علينا أن ندعو الى حرية التعبير وأن ننمى روح الابداع فى المجتمع و أن نشجع أى بادرة للتقدم مهما كانت محدودة و بسيطة؛ فالتقدم توجه عام و ثقافة يجب أن ننشرها بين الجميع كى نتقدم.
التطرف
مع بروز عنصر المقاومة و ملاحم التقديس عادة ما تتجه الانظار الى التطرف من الجانبين، و خاصة اذا قضى التخلف على امكانيات الحوار و التفاعل السلمى و يبدأ كل طرف فى سحب ما فى جعبته من تهم و ألقاب. و يتم اضفاء الشرعية على كل الوسائل الغير مشروعة بين ابناء الشعب الواحد. و خير وسيلة لفك فتيل التطرف تكمن فى التعود على الاختلاف فى وجهات النظرو فتح و توسيع افاق الحوار داخل المجتمع كى يطمئن الجميع على أن القصة ليست إقصاء لأحد أو لرأيه و لكن الهدف هو مصلحة الجميع.
السلبية
فى مثل هذا الظرف عادة ما يتقمص  المتعلمون و المثقفون جلاليب السلبية لكى لا يتخذون موقفا يحسب عليهم سواء كان هذا الموقف صوابا او خطأ. و كلما طالت المدة تزداد السلبية تصلبا و يزداد معها الخوف من المشاركة. و فى الحقيقة السلبى مهما كان بعيدا عن الأحداث هو شريك أول فى التخلف خاصة اذا كان ذو علم أو منصب. و أفضل و أول خطوة فى التغلب على السلبية هى فى النظر الى الجوانب الايجابية فى أى موضوع و التفاعل الايجابى مع الاحداث. و أخطر جريمة فى حق المجتمع تتمثل فى كتمان العلم و كتمان المعرفة و كتمان الحكمة فاقل ما يمكن أن يقدمه المواطن لبلده هو زكاة العلم و الخبرة التى نالها بفضل جهود المجتمع حوله.

غياب النقد الموضوعى
عند محاولة بعض المثقفين انارة عقول الناس و التصدى للتخلف بأشكاله المختلفة يتعرضون للهجوم و النقد الشخصى دون اعارة أى اهتمام لما يطرحون من أفكار. بل قد تجد بين الناقدين من لا يفهم المقصود اصلا و لكنه ينطلق من مركب النقص و انتقاص جهود الأخرين و بدون وعى أو خوفا من الجديد. و لكى نحارب هذا المرض علينا أن نرد على من يمارس الارهاب الفكرى بمهاجمة الاشخاص و عدم مناقشة الافكار. ففى كثير من الاحيان أتأسف لجرأة بعض الناس فى الهجوم على بعض الكتاب و أسفى يكون أكبر حينما لا ينبرى أحد لمناصرة هؤلاء من بقية القراء، فبالتأكيد يوجد من يرى جوانب إيجابية و لكن سلبيته تساهم فى استهداف بعض الاقلام و كبحها عن المساهمة فى المستقبل.
العنف
العنف فى العادة مذموم و خاصة عندما يستخدم لتغليب رأى على آخر باستخدام القوة و ليس باستخدام العقل. و كثيرا ما يتجه محدودى الامكانيات الفكرية و غير القادرين على الاقناع الى استخدام العنف، كما يمكن أن تلجأ  اليه الاجهزة عندما ينكشف انحرافها و لا تستطيع اصلاح ذاتها أو لا تملك آلية لذلك. و العنف أشكاله متعددة، منها الفكرى و منها المادى و منها السياسى و منها الاجتماعى و خير دفاع ضدها هو بتبنى موقف الاصلاح فدائرة العنف لا تنتهى الا بتغليب مفاهيم الاصلاح بكل أشكاله، و نحن لا نختلف مع أعداء و لا نختلف من اجل مصالح شخصية بل من أجل الوطن.
 الاسراف
فى مثل هذه المجتمعات المتخلفة عادة ما يلجا الناس الى الاسراف للتميز بين الناس و ادعاء الاصالة والجاه مع الثراء. و تصبح المناسبات ساحات لاستعراض القدرات المالية فى غياب القيم و المثل الانسانية و يضيع فى هذا الزحام من يتعفف و لا يطلب الدنيا من أى باب. و ترتفع تكاليف كل شىء و تضيق الأمور بصفة خاصة بقطاع الشباب و يضطر الانسان الى مداخل الكسب الحرام و السريع، و هنا كذلك تجب الدعوة الى ذم الاسراف والله لا يحب المسرفين و علينا الاعراض عن المسرفين و ابراز مكارم الاخلاق عند من يتحلى بها فلا تحيا و لا تبقى الامم الا بمكارم الاخلاق.


الغوغائية
و يتصدر الغوغائيون فى زمان  التخلف و انحسار العلم و أهله. و تنتشر الغوغائية بين الناس و لا ترى على السطح الا الجهال و محدودى الامكانيات. و تمتلأ المجالس بصفة عامة بالغوغائية و رجالها، وتضيع الاوقات و تهدر القدرات فى نقاشات لا جدوى منها. و قد تجد العديد من الكتب و النشرات و كلها خال من الحكمة أو مما يفيد فبعضها منسوخ أو مكررأو حشو لا فائدة مرجوة من ورائه، ناهيك عمن يملأ النفوس بالأحقاد تحت أسم مستعار أو ينحرف بالموضوع عن هدفه لغاية فى نفسه. و أفضل علاج لهذه الظواهر هو الالتزام بنشر المادة التى تحمل أسم كاتبها كاملا و عندها يتحمل مسؤلية ما يرى و يتسنى الرد عليه بما ينبغى ، وإنى لأرى تشجيع و نشر الغوغائية  إلا كأحد أشكال الاستخفاف بعقول الناس، فكل مجتمع فيه نوعيات مختلفة و لكن ما يفيد يجب أن يتم طرحه على الناس.
التعلق بالاحلام
و مع التخلف ينتشر بين الناس تفسير الاحلام و تصبح له مواقع و قنوات فضائية و يبدا الناس فى العودة الى حكايات الف ليلة و ليلة. و قد تجد من سادة القوم من يستجلب  مفسرى الاحلام من دول بعيدة، و يبدأ الرجال فى مشاركة النساء فى التردد على أهل هذا الفن. و لا يتعلق بالاحلام الا من فقد القدرة على العطاء،و يجب أن لا نبنى حياتنا و قرارتنا عليها. و العرب قالت و ما نيل المطالب بالتمنى فكيف نرضى بالاحلام و تفسيرها وسيلة لصناعة المستقبل.
إن الله سبحانه و تعالى جعل فى الكون نواميس للبناء و التقدم جلها فى القرآن و بقيتها فى مكامن الكون، تبدا بكلمة إقرأ  و تعنى طلب العلم و ترتكز على العمل فى قوله و قل إعملوا  و تعنى التسابق الى العمل المثمر، و جعل المفاضلة بين الناس بالتقوى فى قوله إن أكرمكم عند الله أتقاكم.

1 comment:

  1. مع الأسف يادكتور أكبر تخلف عندما يمارس من هم محسوبون على النخبة العلمية مايقوم به العوام من واسطة ومحسوبية وجهل ، والكارثة الأسواء عندما يأتي هؤلاء من الخارج فبدلا من تطبيق النظام والحضارة هناك، تجدهم يمارسون التخلف في أبشع صوره

    ReplyDelete