Sunday, May 22, 2011

عبد الكريم محمد لياس..رجل المواقف الوطنية



عبد الكريم لياس سنة 1968 م
         عبد الكريم لياس رمز من رموز النضال السياسي الوطني الليبي حيث ولد خلال فترة الاحتلال الإيطالي لليبيا و شب على النضال و ساهم في الحراك السياسي الذي قاد للاستقلال، و شارك في المسيرة الوطنية إلى أن أصبح وزيرا للزراعة و الثروة الحيوانية عند ما تمت الإطاحة بالنظام الملكي.
مولده و نشأته
 ولد السيد عبد الكريم لياس بمدينة درنة سنة 1917 م. و كبقية أباء جيله تعلم في المدارس و الكتاتيب العربية الأهلية ثم التحق بالمدرسة الايطالية فأتقن اللغة الإيطالية. بعد ذلك دخل معترك الحياة في مجال العمل. و يحمل السيد عبد الكريم في عنقه إرثا من المواقف الوطنية يمتد عبر السنين إلى جده محمد لياس الذي واجه الغزو الامريكى سنة 1805 م، و هذا الإرث و التراث ارتسم على خطاه خلال سني حياته و مواقفه في ليبيا و كذلك يفعل كل أصيل. و نسب السيد عبد الكريم لياس متصل حسب شجرة عائلة لياس إلى السيد محمد ابن السيد إدريس الأصغر حفيد سيدنا الحسن ابن سيدنا على بن أبى طالب كرم الله وجهه.
 صفاته
أما أبرز ما كان يتصف به السيد عبد الكريم حسب رواية أقرب من عرفه، إنه كان قليل الكلام و مستمع جيد و إذا تكلم فإنه يختصر و يفيد. و كان قليل الضحك و إذا سمع ما يسره فإنه يتبسم.  كما كان كريما و حكيما متزنا يسمع من جميع الأطراف قبل أن يصدر حكما. يحسن التصرف مع الغير، هادئ الطبع يكتم غضبه و يلاحظ ذلك على ملامح وجهه. كذلك كان يجيد تنظيم وقته بين أعماله و زياراته و قراءته و كان يلتزم بنصائح و توجيهات الأطباء فيما يخص حياته الشخصية فعاش في صحة طيبة بصفة عامة إلى يوم وفاته. كما كان نزيها في تعاملاته المالية فلم يستغل منصبه في تنمية ثروته و لم يتمكن من بناء بيت لأسرته في طرابلس إلا في عهد الجمهورية.
مواقفه في الحياة
 في مراحل حياته المختلفة كانت للسيد عبد الكريم مواقف وطنية و قومية مشرفة، ومثل هذه المواقف تدل في العادة على معدن صاحبها. فبينما قرر أن يقف بعضها باختياره، فإن مواجهة بعض الأحداث فرضت عليه أصعبها.
موقفه من التجنيد الايطالي
عند ما تم استدعاء الليبيين للالتحاق بالجيش الايطالي على اعتبار أنهم ايطاليون حسب القانون الايطالي الظالم، قرأ السيد عبد الكريم نموذج الانضمام فتبين له أن النموذج يشير إلى تطوع المعنيين فاعترض على ذلك بحجة انه استدعى قهرا و لم يتطوع. و بالتالي أحيل إلى أحد الضباط  فلم يستطع تغيير رأيه، ثم إلى ضابط آخر أعلى رتبة،  ثم إلى آخر وعند ما لم يتمكنوا من إرغامه على التوقيع  تقرر عدم التحاقه بالجيش الايطالي و بهذا نجا من خدمة العلم الايطالي بفضل إجادته للغة و قوة عزيمته.
جهوده في توحيد الجبهة الوطنية
لقد كان السيد عبد الكريم لياس احد أهم الذين ساهموا في توحيد مطالب قبائل برقة لتصب في مصلحة ليبيا ككل من خلال التخطيط و المشاركة الفاعلة في المؤتمر الوطني العام ببنغازي . ففي الوقت الذي كان فيه الكثيرون يطالبون باستقلال برقة تحت إمارة إدريس السنوسي و كانت أصوات كثيرة في طرابلس تنادى بإعلان الجمهورية الطرابلسية غربا انعقد المؤتمر الوطني العام في مدينة بنغازي و ضم ممثلين عن كل القبائل و المؤسسات الأهلية بجميع مناطق برقه بتاريخ 10 يناير 1948 م، و في نهاية الاجتماع أصدر المشاركون القرارات التاريخية الآتية:
1 ) البلاد الليبية مستقلة استقلالا تاما وموحدة بحدودها الطبيعية.
2) لا نقبل استعمارا و لا وصاية و لا انتدابا أجنبيا.
3)أمير البلاد الشرعي المطاع على ليبيا هو حضرة صاحب السمو المعظم الأمير السيد محمد إدريس المهدي السنوسي المعظم و أن تكون الإمارة وراثية في البيت السنوسي.

وكان هذا القرار بالإجماع و لا تنازل عنه مهما كانت العواقب, و بالتالي تغلب الشعب الليبي على معضلة الانقسام و التجزئة بين الشعب الليبي و بين الولايات الثلاث في ذلك الوقت طرابلس و برقة و فزان. و لقد تجلت في هذا الاجتماع حكمة الحاضرين و هم أهل الحل و العقد في برقة بخياراتهم الوحدوية و الوطنية في الاستقلال و الوحدة لكامل التراب الليبي.
دوره في جمعية عمر المختار فرع درنة
قام السيد عبد الكريم بدور بارز كسكرتير لجمعية عمر المختار التي خاضت النشاط السياسي و الاجتماعي في درنة لمدة ثلاثة سنوات، حيث ساهم في تنظيم نشاطاتها و إعداد تقاريرها و شارك في قيادة و تنظيم المظاهرات المطالبة بالاستقلال و الرافضة للتقسيم و الانتداب. كما ساهم في تعديل نظام الجمعية الأساسي بما يحقق ولوجها العمل السياسي، هذا العمل الذي كان له دور هام في رفع مطالب و رغبات الشعب الليبي في العالم و الأمم المتحدة من أجل الحرية و الاستقلال.
موقفه من القواعد الأجنبية
نشر السيد عبد الكريم لياس مقالا في مجلة ليبيا عام 1953م يخاطب فيه الملك مطالبا بعدم تمكين الأمريكان من إنشاء قاعدة لهم في ليبيا و يطالب فيه الملك بتلبية مطالب الشعب الرافضة لإعطاء قواعد لأمريكا على التراب الليبي. و كان في هذا الموقف في منتهى الشجاعة و الوطنية.
مطالبه في المجلس التشريعي البرقاوى
من خلال تواجده كعضو منتخب في المجلس التشريعي البرقاوى كان له العديد من المواقف و التى لا يسمح المجال بالخوض فيها كلها لكننا سنشير إلى أهمها و هي الآتية:
1) تقدم بتوصية إلى الحكومة لتغيير فتح رسائل العطاءات و لتكون إما بحضور مقدميها أوبنشر العطاء الفائز على صفحات الجرائد. وتمت الموافقة عليها بالإجماع.
2) طالب بإلغاء الآتي:
استعمال أغلب السيارات الحكومية بواسطة الموظفين
حراسة بيوت الشخصيات الحكومية
استخدام الموظف في عمل شخصي
استخدام المساجين في بيوت الموظفين
إصلاح أي بيت حكومي كان من قبل مسكونا
و قد تم العمل بأغلب هذه المطالب التقدمية في عصر بدايات الملكية في ليبيا.
3) قدم اقتراحا بزيادة الحد الأدنى لأجور العمال.
4) طالب بالحد من استيراد الكماليات و الأشياء التي تنتجها البلاد.
إن هذه النماذج من المواقف تعطى صورة واضحة عن نمط تفكير السيد عبد الكريم و أسلوبه في التعاطي مع شؤون الدولة من أجل صالح عامة الشعب. و بالتأكيد كان له مواقف و أعمال و إنجازات عديدة في المواقع المختلفة التي عمل بها ومن أبرزها مشروع  سد وادي المجينين الذي وقعه السيد عبد الكريم لياس عند ما كان وزيرا للزراعة، و كان يتطلع إلى توقيع عقد مشروع سد وادي القطارة بعده.

وفاته
توفى السيد عبد الكريم لياس بمنزله الكائن بمدينة طرابلس بعد إن أدى صلاة الفجر في منزله يوم التاسع و العشرين من مارس سنة 1995م. و قد حزن لفراقه أهله و رفاقه و أصدقاؤه. و من أبرز من رثى المرحوم بإذن الله هو الأستاذ أحمد الصالحين الهونى علما بان خلافا كبيرا وقع بين الاثنين خلال حياتهما و لكن هذا الخلاف لم يفسد للود قضية.  فوصفه الأستاذ الهونى بأنه رجل الشموخ و المواقف النبيلة و هذا يدلنا على معادن هؤلاء الرجال.



1 comment: